الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } * { لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } * { ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

قوله { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ } أي ليس بواجب عليك أن تجعلهم مهديين قابلين لما أمروا به ونهوا عنه { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَاء } هداية توصله إلى المطلوب، وهذه الجملة معترضة، وفيها الالتفات، وسيأتي بيان السبب الذي نزلت لأجله، والمراد بقوله { مّنْ خَيْرٍ } كل ما يصدق عليه اسم الخير كائناً ما كان، وهو متعلق بمحذوف، أي أيّ شيء تنفقون كائناً من خير، ثم بين أن النفقة المعتدّ بها المقبولة إنما هي ما كان ابتغاء وجه الله سبحانه، أي لابتغاء وجه الله. وقوله { يُوَفَّ إِلَيْكُمْ } أي أجره، وثوابه على الوجه الذي تقدّم ذكره من التضعيف. قوله { لِلْفُقَرَاء } متعلق بقوله { وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ } أو بمحذوف أي اجعلوا ذلك للفقراء، أو خبر مبتدأ محذوف أي إنفاقكم للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله بالغزو، أو الجهاد، وقيل منعوا عن التكسب لما هم فيه من الضعف { ٱلَّذِينَ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِى ٱلأرْضِ } للتكسب بالتجارة، والزراعة، ونحو ذلك بسبب ضعفهم. قيل هم فقراء الصفة. وقيل كل من يتصف بالفقر، وما ذكر معه. ثم ذكر سبحانه من أحوال أولئك الفقراء ما يوجب الحُنُوّ عليهم، والشفقة بهم، وهو كونهم متعففين عن المسئلة، وإظهار المسكنة بحيث يظنهم الجاهل بهم أغنياء. والتعفف تفعل، وهو بناء مبالغة من عف عن الشيء إذا أمسك عنه، وتنزّه عن طلبه، وفي «يحسبهم» لغتان فتح السين، وكسرها. قال أبو عليّ الفارسيّ والفتح أقيس لأن العين من الماضي مكسورة، فبابها أن تأتي في المضارع مفتوحة. فالقراءة بالكسر على هذا حسنة، وإن كانت شاذة. و«من» في قوله «من التعفف» لابتداء الغاية، وقيل لبيان الجنس. قوله { تَعْرِفُهُم بِسِيمَـٰهُمْ } أي برثاثة ثيابهم، وضعف أبدانهم، وكل ما يشعر بالفقر، والحاجة. والخطاب إما لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لكل من يصلح للمخاطبة، والسيما مقصورة العلامة، وقد تمد. والإلحاف الإلحاح في المسئلة، وهو مشتق من اللحاف، سمي بذلك لاشتماله على وجوه الطلب في المسئلة، كاشتمال اللحاف على التغطية. ومعنى قوله { لا يسألون الناس إلحافاً } أنهم لا يسألونهم ألبتة، لا سؤال إلحاح، ولا سؤال غير إلحاح. وبه قال الطبري، والزجاج، وإليه ذهب جمهور المفسرين، ووجهه أن التعَفُّفَّ صفةٌ ثابتة لهم لا تفارقهم، ومجرد السؤال ينافيها. وقيل المراد أنهم إذا سألوا سألوا بتلطف، ولا يلحفون في سؤالهم، وهذا، وإن كان هو الظاهر من توجه النفي إلى القيد دون المقيد، لكن صفة التعفف تنافيه، وأيضاً كون الجاهل بهم يحسبهم أغنياء لا يكون إلا مع عدم السؤال ألبتة. وقوله { بالليل والنهار } يفيد زيادة رغبتهم في الإنفاق، وشدّة حرصهم عليه حتى أنهم لا يتركون ذلك ليلاً، ولا نهاراً، ويفعلونه سرّاً وجهراً عند أن تنزل بهم حاجة المحتاجين، ويظهر لديهم فاقة المفتاقين في جميع الأزمنة على جميع الأحوال.

السابقالتالي
2 3