الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ ٱلأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } * { ٱلشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } * { وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } * { إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

قوله { مِن طَيّبَـٰتِ مَا كَسَبْتُمْ } أي من جيد ما كسبتم، ومختاره، كذا قال الجمهور. وقال جماعة إن معنى الطيبات هنا الحلال. ولا مانع من اعتبار الأمرين جميعاً لأن جيد الكسب، ومختاره إنما يطلق على الحلال عند أهل الشرع، وإن أطلقه أهل اللغة على ما هو جيد في نفسه حلالاً كان أو حراماً، فالحقيقة الشرعية مقدّمة على اللغوية. وقوله { وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مّنَ ٱلاْرْضِ } أي ومن طيبات ما أخرجنا لكم من الأرض، وحذف لدلالة ما قبله عليه، وهي النباتات، والمعادن، والركاز. قوله { وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ } أي لا تقصدوا المال الرديء، وقرأه الجمهور بفتح حرف المضارعة وتخفيف الياء، وقرأ ابن كثير بتشديدها. وقرأ ابن مسعود «ولا تأمموا» وهي لغة. وقرأ أبو مسلم بن خباب بضم الفوقية، وكسر الميم. وحكى أبو عمرو أن ابن مسعود قرأ «تئمموا» بهمزة بعد المضمومة، وفي الآية الأمر بإنفاق الطيب، والنهي عن إنفاق الخبيث. وقد ذهب جماعة من السلف إلى أن الآية في الصدقة المفروضة، وذهَب آخرون إلى أنها تعم صدقة الفرض، والتطوّع، وهو الظاهر، وسيأتي من الأدلة ما يؤيد هذا، وتقديم الظرف في قوله { مِنْهُ تُنفِقُونَ } يفيد التخصيص أي لا تخصوا الخبيث بالإنفاق، والجملة في محل نصب على الحال أي لا تقصدوا المال الخبيث مخصصين الإنفاق به قاصرين له عليه. قوله { وَلَسْتُم بِأَخِذِيهِ } أي والحال أنكم لا تأخذونه في معاملاتكم في وقت من الأوقات هكذا بين معناه الجمهور، وقيل معناه ولستم بآخذيه لو وجدتموه في السوق يباع. وقوله { إِلا أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ } هو من أغمض الرجل في أمر كذا إذا تساهل ورضي ببعض حقه، وتجاوز، وغض بصره عنه، ومنه قول الشاعر
إلى كَمْ وَكَمْ أشْيَاءُ مِنْكَ تُرِيبُني أُغَمِّض عنها لستُ عَنْها بِذي عَمَي   
وقرأ الزهري بفتح التاء، وكسر الميم مخففاً. وروى عنه أنه قرأ بضم التاء، وفتح الغين، وكسر الميم مشدّدة، وكذلك قرأ قتادة، والمعنى على القراءة الأولى من هاتين القراءتين إلا أن تهضموا سومها من البائع منكم، وعلى الثانية إلا أن تأخذوا بنقصان. قال ابن عطية وقراءة الجمهور تخرّج على التجاوز، أو على تغميض العين، لأن أغمض بمنزلة غمض، وعلى أنها بمعنى حتى، أي حتى تأتوا غامضاً من التأويل، والنظر في أخذ ذلك. قوله { ٱلشَّيْطَـٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ } قد تقدّم معنى الشيطان، واشتقاقه. و { يعدكم } معناه يخوّفكم الفقر أي بالفقر لئلا تنفقوا، فهذه الآية متصلة بما قبلها. وقريء «الفقر» بضم الفاء، وهي لغة. قال الجوهري والفقر لغة في الفقر، مثل الضعف، والضعف. والفحشاء الخصلة الفحشاء، وهي المعاصي، والإنفاق فيها، والبخل عن الإنفاق في الطاعات.

السابقالتالي
2 3 4 5