الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَآ أَنْفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلْمَنِّ وَٱلأَذَىٰ كَٱلَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } * { وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰلَهُمُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

قوله { كَمَثَلِ حَبَّةٍ } لا يصح جعل هذا خبراً عن قوله { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ } لاختلافهما، فلا بد من تقدير محذوف إما في الأوّل أي مثل نفقة الذين ينفقون، أو في الثاني أي كمثل زارع حبة، والمراد بالسبع السنابل هي التي تخرج في ساق واحد يتشعب منه سبع شعب في كل شعبة سنبلة، والحبة اسم لكل ما يزدرعه ابن آدم، ومنه قول المتلمس
آليتُ حَبّ العراق الدَّهْر أطْعمه والحَبُّ يأكُله في القَرْيةِ السُّوسُ   
قيل المراد بالسنابل هنا سنابل الدخن، فهو الذي يكون في السنبلة منه هذا العدد. وقال القرطبي إن سنبل الدُّخن يجيء في السنبلة منه أكثر من هذا العدد بضعفين، وأكثر على ما شاهدنا. قال ابن عطية وقد يوجد في سنبل القمح ما فيه مائة حبة، وأما في سائر الحبوب، فأكثر، ولكن المثال، وقع بهذا القدر. وقال الطبري إن قوله { فِي كُلّ سُنبُلَةٍ مّاْئَةُ حَبَّةٍ } معناه إن وجد ذلك، وإلا فعلى أن تفرضه. قوله { وَٱللَّهُ يُضَـٰعِفُ لِمَن يَشَاء } يحتمل أن يكون المراد يضاعف هذه المضاعفة لمن يشاء، أو يضاعف هذا العدد، فيزيد عليه أضعافه لمن يشاء، وهذا هو الراجح لما سيأتي. وقد ورد القرآن بأن الحسنة بعشر أمثالها، واقتضت هذه الآية بأن نفقة الجهاد حسنتها بسبعمائة ضعف، فيبني العام على الخاص، وهذا بناء على أن سبيل الله هو الجهاد فقط، وأما إذا كان المراد به وجوه الخير، فيخص هذا التضعيف إلى سبعمائة بثواب النفقات، وتكون العشرة الأمثال فيما عدا ذلك. قوله { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوٰلَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } هذه الجملة متضمنة لبيان كيفية الإنفاق الذي تقدّم، أي هو إنفاق الذين ينفقون، ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً، ولا أذى. والمنّ هو ذكر النعمة على معنى التعديد لها، والتقريع بها، وقيل المنّ التحدث بما أعطى حتى يبلغ ذلك المعطي فيؤذيه، والمن من الكبائر، كما ثبت في صحيح مسلم، وغيره أنه أحد الثلاثة الذين لا ينظر الله إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب عظيم. والأذى السب، والتطاول، والتشكي. قال في الكشاف ومعنى «ثم» إظهار التفاوت بين الإنفاق، وترك المنّ، والأذى، وإن تركهما خير من نفس الإنفاق، كما جعل الاستقامة على الإيمان خيراً من الدخول فيه بقولهثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ } فصلت 30. انتهى. وقدم المنّ على الأذى لكثرة وقوعه، ووسط كلمة " لا " للدلالة على شمول النفي. وقوله { عِندَ رَبّهِمْ } فيه تأكيد، وتشريف. وقوله { وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } ظاهره نفي الخوف عنهم. في الدارين لما تفيده النكرة الواقعة في سياق النفي من الشمول، وكذلك { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } يفيد دوام انتفاء الحزن عنهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6