الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قوله { أَوْ كَٱلَّذِى } " أو " للعطف حملاً على المعنى، والتقدير هل رأيت كالذي حاجّ، أو كالذي مرّ على قرية؟ قاله الكسائي، والفراء. وقال المبرد إن المعنى ألم تر إلى الذي حاجّ إبراهيم في ربه؟ ألم تر من هو كالذي مرّ على قرية، فحذف قوله من هو. وقد اختار جماعة أن الكاف زائدة، واختار آخرون أنها إسمية. والمشهور أن القرية هي بيت المقدس بعد تخريب بختنصر لها، وقيل المراد بالقرية أهلها. وقوله { خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا } أي ساقطة على عروشها، أي سقط السقف، ثم سقطت الحيطان عليه، قاله السُّدِّيُ، واختاره ابن جرير، وقيل معناه خالية من الناس، والبيوت قائمة، وأصل الخواء الخلوّ، يقال خوت الدار وخويت تخوى خواء - ممدود - وخوياً، وخويا أقفرت، والخواء أيضاً الجوع لخلوّ البطن عن الغذاء، والظاهر القول الأوّل بدلالة قوله { عَلَىٰ عُرُوشِهَا } من خوى البيت إذا سقط، أو من خوت الأرض إذا تهدمت، وهذه الجملة حالية أي من حال كونها كذلك. وقوله { أنّى يُحْيِي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ } أي متى يحيي، أو كيف يحيي، وهو استبعاد لإحيائها، وهي على تلك الحالة المشابهة لحالة الأموات المباينة لحالة الأحياء، وتقديم المفعول لكون الاستبعاد ناشئاً من جهته لا من جهة الفاعل. فلما قال المارُّ هذه المقالة مستبعداً لإحياء القرية المذكورة بالعمارة لها، والسكون فيها ضرب الله له المثل في نفسه بما هو أعظم مما سأل عنه { فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِاْئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ } وحكى الطبري عن بعضهم أنه قال كان هذا القول شكاً في قدرة الله على الإحياء، فلذلك ضرب له المثل في نفسه. قال ابن عطية ليس يدخل شكّ في قدرة الله سبحانه على إحياء قرية بجلب العمارة إليها، وإنما يتصور الشك إذا كان سؤاله، عن إحياء موتاها. وقوله { مِاْئَةَ عَامٍ } منصوب على الظرفية. والعام السنة أصله مصدر كالعوم سمي به هذا القدر من الزمان. وقوله { بَعَثَهُ } معناه أحياه. قوله { قَالَ كَمْ لَبِثْتَ } هو استئناف كأنّ سائلاً سأله ماذا قال له بعد بعثه؟ واختلف في فاعل قال فقيل هو الله عزّ وجل، وقيل ناداه بذلك ملك من السماء، قيل هو جبريل، وقيل غيره، وقيل إنه نبيّ من الأنبياء. قيل رجل من المؤمنين من قومه شاهده عند أنْ أماته الله، وعمر إلى عند بعثه. والأول أولى لقوله فيما بعد { وَٱنظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا } وقرأ ابن عامر، وأهل الكوفة إلا عاصماً { كَمْ لبثت } بإدغام الثاء في التاء لتقاربهما في المخرج. وقرأ غيرهم بالإظهار، وهو أحسن لبعد مخرج الثاء من مخرج التاء. و«كم» في موضع نصب على الظرفية، وإنما قال { يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } بناء على ما عنده، وفي ظنه، فلا يكون كاذباً، ومثله قول أصحاب الكهف

السابقالتالي
2 3 4