الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ }

قوله { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } أي لا معبود بحق إلا هو، وهذه الجملة خبر المبتدأ. و { الحيّ } الباقي. وقيل الذي لا يزول، ولا يحول. وقيل المصرّف للأمور، والمقدّر للأشياء. قال الطبري عن قوم إنه يقال حيّ كما وصف نفسه، ويسلم ذلك دون أن ينظر فيه، وهو خبر ثان، أو مبتدأ خبره محذوف. و { القيوم } القائم على كل نفس بما كسبت. وقيل القائم بذاته المقيم لغيره، وقيل القائم بتدبير الخلق، وحفظه، وقيل هو الذي لا ينام، وقيل الذي لا بديل له. وأصل قيوم قيووم اجتمعت الياء والواو، وسبقت إحداهما بالسكون، فأدغمت الأولى في الثانية بعد قلب الواو ياء. وقرأ ابن مسعود، وعلقمة، والنخعي، والأعمش «الحيّ القيام» بالألف، وروي ذلك عن عمر، ولا خلاف بين أهل اللغة أن القيوم أعرف عند العرب، وأصح بناء، وأثبت علة. والسنة النعاس في قول الجمهور، والنعاس ما يتقدّم النوم من الفتور، وانطباق العينين، فإذا صار في القلب صار نوماً. وفرق المفصّل بين السِّنَة، والنعاس، والنوم فقال السنة من الرأس، والنعاس في العين، والنوم في القلب. انتهى. والذي ينبغي التعويل عليه في الفرق بين السنة والنوم، أن السِّنة لا يفقد معها العقل، بخلاف النوم، فإنه استرخاء أعضاء الدماغ من رطوبات الأبخرة حتى يفقد معه العقل، بل وجميع الإدراكات بسائر المشاعر، والمراد أنه لا يعتريه سبحانه شيء منهما، وقدّم السنة على النوم، لكونها تتقدّمه في الوجود. قال الرازي في تفسيره إن السنة ما تتقدّم النوم، فإذا كانت عبارة عن مقدّمة النوم، فإذا قيل لا تأخذه سنة دلّ على أنه لا يأخذه نوم بطريق الأولى، فكان ذكر النوم تكراراً، قلنا تقدير الآية لا تأخذه سنة فضلاً عن أن يأخذه نوم، والله أعلم بمراده. انتهى. وأقول إن هذه الأولوية التي ذكرها غير مسلمة، فإن النوم قد يرد ابتداء من دون ما ذكر من النعاس. وإذا ورد على القلب، والعين دفعة واحدة، فإنه يقال له نوم، ولا يقال له سنة، فلا يستلزم نفي السنة نفي النوم. وقد ورد عن العرب نفيهما جميعاً، ومنه قول زهير
وَلاَ سِنَةٌ طوالُ الدّهْرِ تَأخَذه وَلا يَنَامُ وَمَا في أمْرِه فَنَدُ   
فلم يكتف بنفي السنة، وأيضاً، فإن الإنسان يقدر على أن يدفع عن نفسه السنة، ولا يقدر على أن يدفع عن نفسه النوم، فقد يأخذه النوم، ولا تأخذه السنة، فلو وقع الاقتصار في النظم القرآني على نفي السنة لم يفد ذلك نفي النوم، وهكذا لو وقع الاقتصار على نفي النوم لم يفد نفي السنة، فكم من ذي سِنة غير نائم. وكرّر حرف النفي للتنصيص على شمول النفي لكل واحد منهما.

السابقالتالي
2 3 4 5