الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلْمَلإِ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىۤ إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ } * { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوۤاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ وَٱللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } * { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } * { فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ }

قوله { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلْمَلإِ } الكلام فيه كالكلام في قولهأَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ } البقرة 243 وقد قدمناه. والملأ الأشراف من الناس، كأنهم ملئوا شرفاً. وقال الزجاج سموا بذلك لأنهم مَلِئون بما يحتاج إليه منهم، وهو اسم جمع كالقوم، والرهط. ذكر الله سبحانه في التحريض على القتال قصة أخرى جرت في بني إسرائيل بعد القصة المتقدمة، وقوله { مِن بَعْدِ مُوسَىٰ } " من " ابتدائية، وعاملها مقدر، أي كائنين من بعد موسى، أي بعد وفاته. وقوله { لِنَبِىّ لَّهُمُ } قيل هو شمويل بن يار ابن علقمة، ويعرف بابن العجوز، ويقال فيه شمعون، وهو من ولد يعقوب، وقيل من نسل هارون، وقيل هو يوشع بن نون، وهذا ضعيف جداً لأن يوشع هو فتى موسى، ولم يوجد داود، إلا بعد ذلك بدهر طويل. وقيل اسمه إسماعيل. وقوله { ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكًا } أي أميراً نرجع إليه، ونعمل على رأيه. وقوله { نُّقَـٰتِلْ } بالنون، والجزم على جواب الأمر، وبه قرأ الجمهور. وقرأ الضحاك، وابن أبي عبلة بالياء، ورفع الفعل على أنه صفة للملك. وقرىء بالنون، والرفع على أنه حال، أو كلام مستأنف. وقوله { هَلْ عَسَيْتُمْ } بالفتح للسين، وبالكسر لغتان، وبالثانية قرأ نافع، وبالأولى قرأ الباقون. قال في الكشاف وقراءة الكسر ضعيفة. وقال أبو حاتم ليس للكسر وجه. انتهى. وقال أبو علي وجه الكسر قول العرب هو عَس بذلك، مثل حَرٍ وشَجٍ، وقد جاء فَعَل وفَعِل في نحو نَقَم ونَقِم، فكذلك عسيت وعسيت، وكذا قال مكي. وقد قرأ بالكسر أيضاً الحسن وطلحة فلا وجه لتضعيف ذلك، وهو من أفعال المقاربة، أي هل قاربتم أن لا تقاتلوا، وإدخال حرف الاستفهام على فعل المقاربة لتقرير ما هو متوقع عنده، والإشعار بأنه كائن، وفصل بين عسى، وخبرها بالشرط للدلالة على الاعتناء به. قال الزجاج أن لا تقاتلوا في موضع نصب، أي هل عسيتم مقاتلة. قال الأخفش «أن» في قوله { وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَـٰتِلَ } زائدة. وقال الفراء هو محمول على المعنى، أي وما منعنا، كما تقول مالك ألا تصلي، وقيل المعنى وأي شيء لنا في أن لا نقاتل. قال النحاس وهذا أجودها. وقوله { وَقَدْ أُخْرِجْنَا } تعليل، والجملة حالية، وإفراد الأولاد بالذكر لأنهم الذين وقع عليهم السبي، أو لأنهم بمكان فوق مكان سائر القرابة { فَلَمَّا كُتِبَ } أي فرض، أخبر سبحانه أنهم تولوا لاضطراب نياتهم، وفتور عزائمهم. واختلف في عدد القليل الذين استثناهم الله سبحانه، وهم الذين اكتفوا بالغَرْفةَ. وقوله { وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ } شروع في تفصيل ما جرى بينهم وبين نبيهم من الأقوال والأفعال. وطالوت اسم أعجمي، وكان سقاء، وقيل دباغاً، وقيل مكارياً، ولم يكن من سبط النبوة، وهم بنو لاوى، ولا من سبط الملك، وهم بنو يهوذا، فلذلك { قَالُواْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا } أي كيف ذلك؟ ولم يكن من بيت الملك، ولا هو ممن أوتي سعة من المال حتى نتبعه لشرفه، أو لماله.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7