الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَٰهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } * { وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَٰعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

الاستفهام هنا للتقرير، والرؤية المذكورة هي رؤية القلب لا رؤية البصر. والمعنى، عند سيبويه تنبه إلى أمر الذين خرجوا، ولا تحتاج هذه الرؤية إلى مفعولين كذا قيل. وحاصله أن الرؤية هنا التي بمعنى الإدراك مضمنة معنى التنبيه، ويجوز أن تكون مضمنة معنى الانتهاء. أي ألم ينته علمك إليهم أم معنى الوصول. أي ألم يصل علمك إليهم، ويجوز أن تكون بمعنى الرؤية البصرية. أي ألم تنظر إلى الذين خرجوا. جعل الله سبحانه قصة هؤلاء لما كانت بمكان من الشيوع، والشهرة يحمل كل أحد على الإقرار بها بمنزلة المعلومة لكل فرد، أو المبصرة لكل مبصر لأن أهل الكتاب قد أخبروا بها ودوَّنوها، وأشهروا أمرها، والخطاب هنا لكل من يصلح له. والكلام جار مجرى المثل في مقام التعجيب ادّعاءً لظهوره، وجلائه بحيث يستوي في إدراكه الشاهد، والغائب. وقوله { وَهُمْ أُلُوفٌ } في محل نصب على الحال من ضمير خرجوا، وألوف من جموع الكثرة، فدل على أنها ألوف كثيرة. وقوله { حَذَرَ ٱلْمَوْتِ } مفعول له. وقوله { فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ } هو أمر تكوين عبارة عن تعلق إرادته بموتهم دفعة، أو تمثيل لإماتته سبحانه إياهم ميتة نفس واحدة كأنهم أمروا، فأطاعوا. قوله { ثُمَّ أَحْيَـٰهُمْ } هو معطوف على مقدّر يقتضيه المقام، أي قال الله لهم موتوا، فماتوا ثم أحياهم، أو على قال لما كان عبارة، عن الإماتة، وقوله { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ } التنكير في قوله فضل للتعظيم. أي لذو فضل عظيم على الناس جميعاً، أما هؤلاء الذين خرجوا، فلكونه أحياهم، ليعتبروا، وأما المخاطبون، فلكونه قد أرشدهم إلى الاعتبار، والاستبصار بقصة هؤلاء، قوله { وَقَـٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } هو معطوف على مقدّر، كأنه قيل اشكروا فضله بالاعتبار بما قصّ عليكم، وقاتلوا، هذا إذا كان الخطاب بقوله { وَقَاتِلُواْ } راجعاً إلى المخاطبين بقوله { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ } كما قاله جمهور المفسرين، وعلى هذا يكون إيراد هذه القصة لتشجيع المسلمين على الجهاد، وقيل إن الخطاب للذين أحيوا من بني إسرائيل، فيكون عطفاً على قوله { مُوتُواْ } وفي الكلام محذوف تقديره، وقال لهم قاتلوا. وقال ابن جرير لا وجه لقول من قال إن الأمر بالقتال للذين أحيوا. وقوله { مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ } لما أمر سبحانه بالقتال، والجهاد أمر بالإنفاق في ذلك، و { من } استفهامية مرفوعة المحل بالابتداء، و«ذا» خبره، و«الذي» وصلته وصف له، أو بدل منه، وإقراض الله مثل لتقديم العمل الصالح الذي يستحق به فاعله الثواب، وأصل القرض اسم لكل ما يلتمس عليه الجزاء، يقال أقرض فلان فلاناً. أي أعطاه ما يتجازاه. قال الشاعر

السابقالتالي
2 3