الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وٱلصَّلَٰوةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ للَّهِ قَٰنِتِينَ } * { فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }

المحافظة على الشيء المداومة، والمواظبة عليه، والوسطى تأنيث الأوسط، وأوسط الشيء ووسطه خياره. ومنه قوله تعالىوَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } البقرة 143، ومنه قول بعض العرب يمدح النبي صلى الله عليه وسلم
يا أوسط النَّاسِ طُراً في مفاخرهم وأكرم النَّاسِ أُما بَرَّةً وأباً   
وَوَسَط فلان القوم يسطهم، أي صار في وسطهم. وأفرد الصلاة الوسطى بالذكر بعد دخولها في عموم الصلوات تشريفاً لها. وقرأ أبو جعفر { والصلاة الوسطى } بالنصب على الإغراء، وكذلك قرأ الحلواني وقرأ قالون عن نافع " الوصطي " بالصاد لمجاورة الطاء، وهما لغتان كالسراط، والصراط. وقد اختلف أهل العلم في تعيينها على ثمانية عشر قولاً أوردتها في شرحي للمنتقى، وذكرت ما تمسكت به كل طائفة، وأرجح الأقوال، وأصحها ما ذهب إليه الجمهور من أنها العصر. لما ثبت عند البخاري، ومسلم، وأهل السنن، وغيرهم من حديث علي قال كنا نراها الفجر حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الأحزاب " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله قبورهم وأجوافهم ناراً " وأخرج مسلم، والترمذي، وابن ماجه، وغيرهم من حديث ابن مسعود مرفوعاً مثله. وأخرجه أيضاً ابن جرير، وابن المنذر، والطبراني من حديث ابن عباس مرفوعاً. وأخرجه البزار بإسناد صحيح من حديث جابر مرفوعاً، وأخرجه أيضاً البزار بإسناد صحيح من حديث حذيفة مرفوعاً. وأخرجه الطبراني بإسناد ضعيف من حديث أم سلمة مرفوعاً. وورد في تعيين أنها العصر من غير ذكر يوم الأحزاب أحاديث مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم منها عن ابن عمر، عن ابن منده، ومنها عن سَمُرة عند أحمد، وابن جرير، والطبراني، ومنها أيضاً عند ابن أبي شيبة، وأحمد، وعبد بن حميد، والترمذي وصححه ابن جرير، والطبراني، والبيهقي، وعن أبي هريرة، عند ابن جرير، والبيهقي، والطحاوي. وأخرجه عنه أيضاً ابن سعيد، والبزار، وابن جرير، والطبراني، وعن ابن عباس، عند البزار بأسانيد صحيحة، وعن أبي مالك الأشعري، عند ابن جرير، والطبراني، فهذه أحاديث مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم مصرحة بأنها العصر. وقد روي، عن الصحابة في تعيين أنها العصر آثار كبيرة، وفي الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يحتاج معه إلى غيره. وأما ما روي عن عليّ، وابن عباس أنهما قالا إنها صلاة الصبح كما أخرجه مالك في الموطأ عنهما، وأخرجه ابن جرير، عن ابن عباس، وكذلك أخرجه، عنه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وكذلك أخرجه ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عمر، وكذلك أخرجه ابن جرير، عن جابر، وكذلك أخرجه ابن أبي حاتم، عن أبي أمامة، وكل ذلك من أقوالهم، وليس فيها شيء من المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تقوم بمثل ذلك حجة لا سيما إذا عارض ما قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ثبوتاً يمكن أن يدعي فيه التواتر، وإذا لم تقم الحجة بأقوال الصحابة لم تقم بأقوال من بعدهم من التابعين، وتابعهم بالأولى، وهكذا لا تقوم الحجة بما أخرجه ابن أبي حاتم بإسناد حسن، عن ابن عباس أنه قال صلاة الوسطى المغرب، وهكذا لا اعتبار بما ورد من قول جماعة من الصحابة أنها الظهر، أو غيرها من الصلوات، ولكن المحتاج إلى إمعان نظر، وفكر ما ورد مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم مما فيه دلالة على أنها الظهر، كما أخرجه ابن جرير، عن زيد بن ثابت مرفوعاً

السابقالتالي
2 3 4 5