الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ وَأَن تَعْفُوۤاْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَنسَوُاْ ٱلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

المراد بالجناح هنا التبعة من المهر، ونحوه، فرفعه رفع لذلك، أي لا تبعة عليكم بالمهر، ونحوه إن طلقتم النساء على الصفة المذكورة، و«ما» في قوله { مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ } هي مصدرية ظرفية بتقدير المضاف، أي مدّة عدم مسيسكم. ونقل أبو البقاء أنها شرطية من باب اعتراض الشرط على الشرط ليكون الثاني قيداً للأوّل كما في قولك إن تأتني إن تحسن إليّ أكرمك. أي إن تأتني محسناً إليّ، والمعنى إن طلقتموهن غير ماسين لهنّ. وقيل إنها موصولة، أي إن طلقتم النساء اللاتي لم تمسوهنّ، وهكذا اختلفوا في قوله { أَوْ تَفْرِضُواْ } فقيل " أو " بمعنى " إلا " أي إلا أن تفرضوا. وقيل بمعنى حتى، أي حتى تفرضوا. وقيل بمعنى الواو، أي وتفرضوا. ولست أرى لهذا التطويل وجهاً. ومعنى الآية أوضح من أن يلتبس، فإن الله سبحانه رفع الجناح عن المطلقين ما لم يقع أحد الأمرين. أي مدّة انتفاء ذلك الأحد، ولا ينتفي الأحد المبهم إلا بإنتفاء الأمرين معاً، فإن وجد المسيس، وجب المسمى، أو مهر المثل، وإن وجد الفرض وجب نصفه مع عدم المسيس، وكل واحد منها جناح. أي المسمى، أو نصفه، أو مهر المثل. واعلم أن المطلقات أربع مطلقة مدخول بها مفروض لها، وهي التي تقدّم ذكرها قبل هذه الآية، وفيها نهى الأزواج عن أن يأخذوا مما آتوهنّ شيئاً، وأن عدّتهنّ ثلاثة قروء. ومطلقة غير مفروض لها، ولا مدخول بها، وهي المذكورة هنا، فلا مهر لها، بل المتعة، وبين في سورة الأحزاب أن غير المدخول بها إذا طلقت، فلا عدّة عليها. ومطلقة مفروض لها غير مدخول بها، وهي المذكورة بقوله سبحانه هنا { وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً } ، ومطلقة مدخول بها غير مفروض لها، وهي المذكورة في قوله تعالىفَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَـئَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } النساء 24 والمراد بقوله { مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ } ما لم تجامعوهنّ وقرأ ابن مسعود «من قبل أن تجامعوهنّ» أخرجه عنه ابن جرير، وقرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم «ما لم تمسوهنّ» وقرأ حمزة، والكسائي «تماسوهنّ» من المفاعلة، والمراد بالفريضة هنا تسمية المهر. قوله { وَمَتّعُوهُنَّ } أي أعطوهن شيئاً يكون متاعاً لهنّ، وظاهر الأمر الوجوب، وبه قال علي، وابن عمر، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، وأبو قلابة، والزهري، وقتادة، والضحاك، ومن أدلة الوجوب قوله تعالىيٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتّعُوهُنَّ وَسَرّحُوهُنَّ سراحاً جميلاً } الأحزاب 49 وقال مالك، وأبو عبيد، والقاضي شريح، وغيرهم إن المتعة للمطلقة المذكورة مندوبة لا واجبة لقوله تعالى { حَقّا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ } ولو كانت واجبة لأطلقها على الخلق أجمعين، ويجاب عنه بأن ذلك لا ينافي الوجوب بل هو تأكيد له، كما في قوله في الآية الأخرى

السابقالتالي
2 3 4 5 6