الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِيۤ أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـٰكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً وَلاَ تَعْزِمُوۤاْ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَابُ أَجَلَهُ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ فَٱحْذَرُوهُ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }

الجناح الإثم، أي لا إثم عليكم، والتعريض ضد التصريح، وهو من عرض الشيء. أي جانبه، كأنه يحوم به حول الشيء، ولا يظهره. وقيل هو من قولك عرضت الرجل. أي أهديت له. ومنه أن ركباً من المسلمين عرضوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر ثياباً بيضاً، أي أهدوا لهما، فالمعرض بالكلام يوصل إلى صاحبه كلاماً يفهم معناه. وقال في الكشاف الفرق بين الكناية، والتعريض، أن الكناية أن يذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له، والتعريض أن يذكر شيئاً يدل به على شيء لم يذكره، كما يقول المحتاج للمحتاج إليه جئتك لأسلم عليك، ولأنظر إلى وجهك الكريم، ولذلك قالوا
وحسبك بالتسليم مني تقاضياً   
وكأنه إمالة الكلام إلى عرض يدل على الغرض، ويسمى التلويح لأنه يلوح منه ما يريده. انتهى. والخطبة بالكسر ما يفعله الطالب من الطلب، والاستلطاف بالقول، والفعل، يقال خطبها يخطبها خطبة، وخطباً. وأما الخطبة بضم الخاء، فهي الكلام الذي يقوم به الرجل خاطباً. وقوله { أَكْنَنتُمْ } معناه سترتم، وأضمرتم من التزويج بعد انقضاء العدة. والإكنان التستر والإخفاء يقال أكننته، وكننته بمعنى واحد. ومنهبيض مكنون } الصافات 9، ودر مكنون. ومنه أيضاً أكنّ البيت صاحبه. أي ستره. وقوله { عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ } أي علم الله أنكم لا تصبرون عن النطق لهنّ برغبتكم فيهن، فرخص لكم في التعريض دون التصريح. وقال في الكشاف إن فيه طرفاً من التوبيخ كقوله { عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ }. وقوله { وَلَـٰكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّا } معناه على سرّ، فحذف الحرف لأن الفعل لا يتعدى إلى المفعولين. وقد اختلف العلماء في معنى السر، فقيل معناه نكاحاً. أي لا يقل الرجل لهذه المعتدّة تزوّجيني بل يعرض تعريضاً. وقد ذهب إلى أن معنى الآية هذا جمهور العلماء، وقيل السرّ الزنا، أي لا يكن منكم مواعدة على الزنا في العدّة، ثم التزويج بعدها. قاله جابر بن زيد، وأبو مجلز، والحسن، وقتادة، والضحاك، والنخعي، واختاره ابن جرير الطبري، ومنه قول حطيئة
وَيَحْرُمُ سِرُّ جَارَتِهِم عَلَيهم وَيَأْكُلُ جَارُهُم أنفَ القِصَاعِ   
وقيل السرّ الجماع، أي لا تصفوا أنفسكم لهنّ بكثرة الجماع ترغيباً لهنّ في النكاحّ، وإلى هذا ذهب الشافعي في معنى الآية، ومنه قول امرىء القيس
ألاَ زَعَمْت بَسْبَاسة اليوم أنَّني كِبرْتُ وَأنْ لا يُحْسِن السِرّ أمثَاليِ   
ومثله قول الأعشى
فَلَنْ تَطْلُبُوا سِرَّها لْلغِنَى وَلنْ تَسْلِموها لأَزْهَادِهَا   
أراد تطلبون نكاحها لكثرة مالها، ولن تسلموها لقلة مالها، والاستدراك بقوله { لَكِنِ } من مقدّر محذوف دلّ عليه { سَتَذْكُرُونَهُنَّ } أي فاذكروهنّ { وَلَـٰكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّا }. قال ابن عطية أجمعت الأمة على أن الكلام مع المعتدة بما هو رفث من ذكر جماع، أو تحريض عليه لا يجوز.

السابقالتالي
2