الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

لما ذكر الله سبحانه النكاح والطلاق، ذكر الرضاع لأن الزوجين قد يفترقان، وبينهما ولد، ولهذا قيل إن هذا خاص بالمطلقات. وقيل هو عام. وقوله { يُرْضِعْنَ } قيل هو خبر في معنى الأمر للدلالة على تحقق مضمونه، وقيل هو خبر على بابه ليس هو في معنى الأمر على حسب ما سلف في قوله { يَتَرَبَّصْنَ } وقوله { كَامِلَيْنِ } تأكيد للدلالة على أن هذا التقدير تحقيقي لا تقريبي. وقوله { لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ } أي ذلك لمن أراد أن يتم الرضاعة، وفيه دليل على أن إرضاع الحولين ليس حتماً، بل هو التمام، ويجوز الاقتصار على ما دونه. وقرأ مجاهد، وابن محيصن «لمن أراد أن تتم» بفتح التاء، ورفع الرضاعة على إسناد الفعل إليها. وقرأ أبو حيوة، وابن أبي عبلة، والجارود ابن أبي سَبْرَة بكسر الراء من الرضاعة، وهي لغة. وروي عن مجاهد أنه قرأ " الرضعة " ، وقرأ ابن عباس «لمن أراد أن يكمل الرضاعة». قال النحاس لا يعرف البصريون الرضاعة إلا بفتح الراء. وحكى الكوفيون جواز الكسر. والآية تدل على وجوب الرضاع على الأم لولدها، وقد حُمِل ذلك على ما إذا لم يقبل الرضيع غيرها. قوله { وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ } أي على الأب الذي يولد له، وآثر هذا اللفظ دون قوله وعلى الوالد للدلالة على أن الأولاد للآباء لا للأمهات، ولهذا ينسبون إليهم دونهنّ، كأنهنّ إنما ولدن لهم فقط، ذكر معناه في الكشاف، والمراد بالرزق هنا الطعام الكافي المتعارف به بين الناس، والمراد بالكسوة ما يتعارفون به أيضاً، وفي ذلك دليل على وجوب ذلك على الآباء للأمهات المرضعات. وهذا في المطلقات، وأما غير المطلقات، فنفقتهنّ، وكسوتهنّ واجبة على الأزواج من غير إرضاعهنّ لأولادهنّ. وقوله { لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا } هو تقييد لقوله { بِٱلْمَعْرُوفِ } أي هذه النفقة، والكسوة الواجبتان على الأب بما يتعارفه الناس لا يكلف منها إلا ما يدخل تحت وسعه وطاقته لا ما يشق عليه، ويعجز عنه، وقيل المراد لا تكلف المرأة الصبر على التقتير في الأجرة، ولا يكلف الزوج ما هو إسراف، بل يراعي القصد. قوله { لاَ تُضَارَّ } قرأ أبو عمرو، وابن كثير، وجماعة ورواه أبان عن عاصم بالرفع على الخبر. وقرأ نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وعاصم في المشهور عنه «تضار» بفتح الراء المشدّدة على النهي، وأصله لا تضار، أو لا تضارر على البناء للفاعل، أو المفعول أي لا تضارر الأب بسبب الولد بأن تطلب منه ما لا يقدر عليه من الرزق، والكسوة، أو بأن تفرط في حفظ الولد، والقيام بما يحتاج إليه، ولا تضارر من زوجها بأن يقصر عليها في شيء مما يجب عليه، أو ينتزع ولدها منها بلا سبب، وهكذا قراءة الرفع تحتمل الوجهين.

السابقالتالي
2 3 4 5