الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوۤاْ إِصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قوله { وَٱلْمُطَلَّقَـٰتُ } يدخل تحت عمومه المطلقة قبل الدخول، ثم خصص بقوله تعالىفَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } الأحزاب 49 فوجب بناء العام على الخاص، وخرجت من هذا العموم المطلَّقة قبل الدخول، وكذلك خرجت الحامل بقوله تعالىوَأُوْلَـٰتُ ٱلأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } الطلاق 4 وكذلك خرجت الآيسة بقوله تعالىفَعِدَّتُهُنَّ ثَلَـٰثَةُ أَشْهُرٍ } الطلاق 4 والتربص الانتظار، قيل هو خبر في معنى الأمر أي ليتربصن قصد بإخراجه مخرج الخبر تأكيد وقوعه، وزاده تأكيداً وقوعه خبراً للمبتدأ. قال ابن العربي وهذا باطل، وإنما هو خبر عن حكم الشرع، فإن وجدت مطلقة لا تتربص، فليس ذلك من الشرع، ولا يلزم من ذلك، وقوع خبر الله سبحانه على خلاف مخبره. والقروء جمع قرء. وروي عن نافع أنه قرأ «قرو» بتشديد الواو. وقرأه الجمهور بالهمز. وقرأ الحسن بفتح القاف، وسكون الراء، والتنوين. قال الأصمعي الواحد قرء بضم القاف. وقال أبو زيد بالفتح وكلاهما قال أقرأت المرأة حاضت، وأقرأت ظهرت. وقال الأخفش أقرأت المرأة إذا صارت صاحبة حيض، فإذا حاضت قلت قرأت بلا ألف. وقال أبو عمرو بن العلاء من العرب من يسمي الحيض قرءاً، ومنهم من يسمي الطهر قرءاً، ومنهم من يجمعهما جميعاً، فيسمي الحيض مع الطهر قرءاً، وينبغي أن يعلم أن القرء في الأصل الوقت يقال هبت الرياح لقرئها، ولقارئها أي لوقتها، ومنه قول الشاعر
كَرهتُ العَقْر عقربني شَليل إذَا هَبَّتْ لقارئها الرَّياحُ   
فيقال للحيض قرء، وللطهر قرء لأن كل واحد منهما له وقت معلوم. وقد أطلقته العرب تارة على الأطهار، وتارة على الحيض، فمن إطلاقه على الأطهار قول الأعشى
أفِي كلٍ عَامٍ أنتَ جَاشِمُ غَزْوةٍ تَشُدّ لأقصَاهَا عزيم عَزَائكا موِّرثة مَالاً وفي الحي رفعة لِما ضَاعَ فِيها من قُرُوءِ نِسائكا   
أي أطهارهن، ومن إطلاقه على الحيض قول الشاعر
يَا ربَّ ذي حِنْق عليّ قَارضٍ له قُرُوّ كقُروُّ الحائِض   
يعني أنه طعنه، فكان له دم كدم الحائض. وقال قوم هو مأخوذ من قري الماء في الحوض، وهو جمعه، ومنه القرآن لاجتماع المعاني فيه. قال عمرو بن كلثوم
ذِراعَي عَيْطَلٍ أدْمَاء بِكرٍ هِجَانِ اللونِ لِم تَقْرَأ جنينا   
أي لم تجمعه في بطنها. والحاصل أن القروء في لغة العرب مشترك بين الحيض، والطهر، ولأجل هذا الاشتراك، اختلف أهل العلم في تعيين ما هو المراد بالقروء المذكورة في الآية، فقال أهل الكوفة هي الحيض، وهو قول عمر، وعليّ، وابن مسعود، وأبي موسى، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، وعكرمة، والسدي، وأحمد بن حنبل. وقال أهل الحجاز هي الأطهار، وهو قول عائشة، وابن عمر، وزيد بن ثابت، والزهري، وأبان بن عثمان، والشافعي.

السابقالتالي
2 3 4 5