الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَإِنْ عَزَمُواْ ٱلطَّلاَقَ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

قوله { يُؤْلُونَ } أي يحلفون والمصدر إيلاء، وألية، وألوة، وقرأ ابن عباس «الذين آلوا» يقال آلى يؤالي إيلاً، ويأتلي بالتاء ائتلاء أي حلف، ومنهوَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ } النور 22 ومنه قليل الألايا حافظ ليمينه البيت. وقد اختلف أهل العلم في الإيلاء، فقال الجمهور إن الإيلاء هو أن يحلف أن لا يطأ امرأته أكثر من أربعة أشهر، فإن حلف على أربعة أشهر، فما دونها لم يكن مولياً، وكانت عندهم يميناً محضاً، وبهذا قال مالك والشافعي، وأحمد، وأبو ثور. وقال الثوري، والكوفيون الإيلاء أن يحلف على أربعة أشهر فصاعداً، وهو قول عطاء. وروي عن ابن عباس أنه لا يكون مولياً حتى يحلف أن لا يمسها أبداً. وقالت طائفة إذا حلف أن لا يقرب امرأته يوماً، أو أقل، أو أكثر ثم لم يطأ أربعة أشهر بانت منه بالإيلاء. وبه قال ابن مسعود، والنخعي، وابن أبي ليلى، والحكم، وحماد بن أبي سليمان، وقتادة، وإسحاق. قال ابن المنذر وأنكر هذا القول كثير من أهل العلم. قوله { مِن نّسَائِهِمْ } يشمل الحرائر، والإماء، إذا كنّ زوجات، وكذلك يدخل تحت قوله { لّلَّذِينَ يُؤْلُونَ } العبد إذا حلف من زوجته، وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور قالوا وإيلاؤه كالحر وقال مالك، والزهري، وعطاء، وأبو حنيفة، وإسحاق إن أجله شهران. وقال الشعبي إيلاء الأمة نصف إيلاء الحرة. والتربص التأني والتأخر، قال الشاعر
تَرَبَّصْ بِها رَيْبَ المنُون لَعَلَّها تطلَّق يَوْماً أو يموتُ حَلِيلُها   
وقت الله سبحانه بهذه المدة دفعاً للضرار عن الزوجة، وقد كان أهل الجاهلية يؤلون السنة، والسنتين، وأكثر من ذلك، يقصدون بذلك ضرار النساء، وقد قيل إن الأربعة الأشهر هي التي لا تطيق المرأة الصبر عن زوجها زيادة عليها. قوله { فَإِن فَآءوا } أي رجعوا ومنهحَتَّىٰ تَفِىء إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ } الحجرات 9 أي ترجع، ومنه قيل للظل بعد الزوال فيء لأنه رجع عن جانب المشرق إلى جانب المغرب، يقال فاء يفيء فيئة، وفيوءاً، وإنه لسريع الفيئة أي الرجعة، ومنه قول الشاعر
فَفاءَت وَلَمَ تقض الَّذي أقبلَتْ له وَمِن حَاجَة الإنسان مَا لَيس قَاضِيا   
قال ابن المنذر وأجمع كل من يحفظ عنه العلم على أن الفيء الجماع لمن لا عذر له، فإن كان له عذر مرض أو سجن فهي امرأته، فإذا زال العذر فأبى الوطء فرّق بينهما إن كانت المدة قد انقضت، قاله مالك وقالت طائفة إذا أشهد على فيئته بقلبه في حال العذر أجزأه. وبه قال الحسن، وعكرمة، والنخعي، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل. وقد أوجب الجمهور على المولى إذا فاء بجماع امرأته الكفارة. وقال الحسن، والنخعي لا كفارة عليه.

السابقالتالي
2 3