الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } * { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قوله { ٱلْمَحِيضِ } هو الحيض، وهو مصدر، يقال حاضت المرأة حيضاً، ومحيضاً، فهي حائض، وحائضة، كذا قال الفراء، وأنشد
كحائضة تُزْنَي بها غير طاهرة   
ونساء حُيَّض، وحوائض، والحِيضة بالكسر المرة الواحدة وقيل الاسم، وقيل المحيض عبارة عن الزمان، والمكان، وهو مجاز فيهما، وقال ابن جرير الطبري المحيض اسم الحيض، ومثله قول رؤبة
إليك أشكو شدة المعيش   
أي العيش، وأصل هذه الكلمة من السيلان، والانفجار يقال حاض السيل وفاض، وحاضت الشجرة أي سالت رطوبتها، ومنه الحيض أي الحوض لأن الماء يحوض إليه، أي يسيل. وقوله { قُلْ هُوَ أَذًى } أي قل هو شيء يتأذى به أي برائحته. والأذى كناية عن القذر، ويطلق على القول المكروه، ومنه قوله تعالىلاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَـٰتِكُم بِٱلْمَنّ وَٱلاْذَىٰ } البقرة 264، ومنه قوله تعالىوَدَعْ أَذَاهُمْ } الأحزاب 48 وقوله { فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنّسَاء فِي ٱلْمَحِيضِ } أي فاجتنبوهنّ في زمان المحيض إن حمل المحيض على المصدر، أو في محل الحيض إن حمل على الاسم. والمراد من هذا الاعتزال ترك المجامعة لا ترك المجالسة، أو الملامسة، فإن ذلك جائز، بل يجوز الاستمتاع منها بما عدا الفرج، أو بما دون الإزار على خلاف في ذلك، وأما ما يروى عن ابن عباس، وعبيدة السلماني أنه يجب على الرجل أن يعتزل فراش زوجته إذا حاضت، فليس ذلك بشيء، ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم وطء الحائض، وهو معلوم من ضرورة الدين. قوله { ولاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ } قرأ نافع، وأبو عمرو، وابن كثير، وابن عامر، وعاصم في رواية حفص عنه بسكون الطاء، وضم الهاء. وقرأ حمزة، والكسائي، وعاصم في رواية أبي بكر «يطَّهرن» بتشديد الطاء، وفتحها، وفتح الهاء، وتشديدها. وفي مصحف أبيّ، وابن مسعود «ويتطهرن» والطهر انقطاع الحيض، والتطهر الاغتسال. وبسبب اختلاف القراء اختلف أهل العلم، فذهب الجمهور إلى أن الحائض لا يحل وطؤها لزوجها، حتى تتطهر بالماء. وقال محمد بن كعب القرظي، ويحيـى بن بكير إذا طهرت الحائض، وتيمّمت حيث لا ماء حلت لزوجها، وإن لم تغتسل. وقال مجاهد وعكرمة إن انقطاع الدم يحلها لزوجها، ولكن تتوضأ. وقال أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد إن انقطع دمها بعد مضي عشرة أيام جاز له أن يطأها قبل الغسل، وإن كان انقطاعه قبل العشر لم يجز حتى تغتسل، أو يدخل عليها، وقت الصلاة. وقد رجح ابن جرير الطبري قراءة التشديد، والأولى أن يقال إن الله سبحانه جعل للحلّ غايتين كما تقتضيه القراءتان إحداهما انقطاع الدم، والأخرى التطهر منه، والغاية الأخرى مشتملة على زيادة على الغاية الأولى، فيجب المصير إليها. وقد دلّ أن الغاية الأخرى هي المعتبرة. قوله تعالى بعد ذلك { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ } فإن ذلك يفيد أن المعتبر التطهر، لا مجرد انقطاع الدم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6