الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلـٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله { قِتَالٍ فِيهِ } هو بدل اشتمال، قاله سيبويه. ووجهه أن السؤال عن الشهر لم يكن إلا باعتبار ما وقع فيه من القتال. قال الزجاج المعنى يسئلونك عن القتال في الشهر الحرام، وأنشد سيبويه قول الشاعر
فَمَا كَانَ قيسُ هُلْكُه هُلْكَ وَاحدٍ وَلكنَّه بُنْيَانُ قَومٍ تَهدَّمَاً   
فقوله هلكه بدل اشتمال من قيس، وقال الفراء هو مخفوض يعني قوله { قِتَالٍ فِيهِ } على نية عن، وقال أبو عبيدة هو مخفوض على الجوار. قال النحاس لا يجوز أن يعرب الشيء على الجوار في كتاب الله، ولا في شيء من الكلام، وإنما وقع في شيء شاذّ، وهو قولهم هذا جحر ضب خرب. وتابع النحاس ابن عطية في تخطئة أبي عبيدة. قال النحاس ولا يجوز إضمار عن، والقول فيه أنه بدل. وقرأ ابن مسعود، وعكرمة «يسألونك عن الشهر الحرام، وعن قتال فيه». وقرأ الأعرج «قتال فيه» بالرفع. قال النحاس وهو غامض في العربية، والمعنى يسألونك عن الشهر الحرام أجائز قتال فيه. وقوله { قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } مبتدأ وخبر، أي القتال فيه أمر كبير مستنكر، والشهر الحرام المراد به الجنس، وقد كانت العرب لا تسفك فيه دماً، ولا تُغِير على عدوّ، والأشهر الحرم هي ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب، ثلاثة سرد وواحد فرد. وقوله { وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } مبتدأ. وقوله { وَكُفْرٌ بِهِ } معطوف على صدّ. وقوله { أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ } خبر صدّ، وما عطف عليه أي الصدّ عن سبيل الله، والكفر به، والصدّ عن المسجد الحرام، وإخراج أهل الحرم منه { أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ } أي أعظم إثماً، وأشدّ ذنباً من القتال في الشهر الحرام، كذا قال المبرد، وغيره، والضمير في قوله { وَكُفْرٌ بِهِ } يعود إلى الله. وقيل يعود إلى الحج. وقال الفراء إن قوله { وَصُدَّ } عطف على كبير، والمسجد عطف على الضمير في قوله { وَكُفْرٌ بِهِ } فيكون الكلام منتسقاً متصلاً غير منفصل. قال ابن عطية وذلك خطأ لأن المعنى يسوق إلى أن قوله { وَكُفْرٌ بِهِ } أي بالله عطف أيضاً على كبير، ويجيء من ذلك أن إخراج أهل المسجد منه أكبر من الكفر بالله، وهذا بيّن فساده، ومعنى الآية على القول الأوّل الذي ذهب إليه الجمهور أنكم يا كفار قريش تستعظمون علينا القتال في الشهر الحرام، وما تفعلون أنتم من الصدّ عن سبيل الله لمن أراد الإسلام، ومن الكفر بالله، ومن الصدّ عن المسجد الحرام، ومن إخراج أهل الحرم منه أكبر جرماً عند الله. والسبب يشهد لهذا المعنى، ويفيد أنه المراد كما سيأتي بيانه، فإن السؤال منهم المذكور في هذه الآية هو سؤال إنكار لما وقع من السرية التي بعثها النبيّ صلى الله عليه وسلم، والمراد بالفتنة هنا الكفر، أي كفركم أكبر من القتل الواقع من السرية التي بعثها النبي صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2 3