الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } * { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

المأمور بالسؤال لبني إسرائيل هو النبيّ صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن يكون هو كل فرد من السائلين، وهو سؤال تقريع وتوبيخ. و { كَمْ } في محل نصب بالفعل المذكور بعدها على أنها مفعول بآتي، ويجوز أن ينتصب بفعل مقدّر دلّ عليه المذكور. أي كم آتينا آتيناهم، وقُدِّر متأخراً لأن لها صدر الكلام، وهي إما استفهامية للتقرير، أو خبرية للتكثير. و { مّنْ ءَايَةٍ } في موضع نصب على التمييز، وهي البراهين التي جاء بها أنبياؤهم في أمر محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل المراد بذلك الآيات التي جاء بها موسى، وهي التسع. والمراد بالنعمة هنا ما جاءهم من الآيات. وقال ابن جرير الطبري النعمة هنا الإسلام، والظاهر دخول كل نعمة أنعم الله بها على عبد من عباده كائناً من كان، فوقع منه التبديل لها، وعدم القيام بشكرها، ولا ينافي ذلك كون السياق في بني إسرائيل، أو كونهم السبب في النزول لما تقرر من أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وفي قوله { فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } من الترهيب، والتخويف ما لا يقادر قدره. قوله { زُيّنَ } مبني للمجهول، والمُزَيِّن هو الشيطان، أو الأنفس المجبولة على حبّ العاجلة. والمراد بالذين كفروا رؤساء قريش، أو كل كافر. وقرأ مجاهد، وحميد بن قيس «زين» على البناء للمعلوم. قال النحاس وهي قراءة شاذة لأنه لم يتقدّم للفاعل ذكر. وقرأ ابن أبي عبلة «زينت» وإنما خص الذين كفروا بالذكر مع كون الدنيا مزينة للمسلم، والكافر كما وصف سبحانه بأنه جعل ما على الأرض زينة لها ليبلو الخلق أيهم أحسن عملاً لأن الكافر افتتن بهذا التزيين، وأعرض عن الآخرة، والمسلم لم يفتتن به بل أقبل على الآخرة. قوله { وَيَسْخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } هذه الجملة في محل نصب على الحال. أي والحال أن أولئك الكفار يسخرون من الذين آمنوا لكونهم فقراء لا حظّ لهم من الدنيا كحظ رؤساء الكفر، وأساطين الضلال، وذلك لأن عرض الدنيا عندهم هو الأمر الذي يكون من ناله سعيداً رابحاً، ومن حُرِمَه شقياً خاسراً. وقد كان غالب المؤمنين إذ ذاك فقراء لاشتغالهم بالعبادة، وأمر الآخرة، وعدم التفاتهم إلى الدنيا وزينتها. وحكى الأخفش أنه يقال سخرت منه، وسخرت به، وضحكت منه، وضحكت به، وهزأت منه، وهزأت به، والاسم السخرية، والسّخْري. ولما وقع من الكفار ما وقع من السخرية بالمؤمنين ردّ الله عليهم بقوله { وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } والمراد بالفوقية هنا العلوّ في الدرجة لأنهم في الجنة، والكفار في النار، ويحتمل أن يراد بالفوق المكان لأن الجنة في السماء، والنار في أسفل سافلين، أو أن المؤمنين هم الغالبون في الدنيا كما وقع ذلك من ظهور الإسلام، وسقوط الكفر، وقتل أهله، وأسرهم، وتشريدهم، وضرب الجزية عليهم، ولا مانع من حمل الآية على جميع ذلك لولا التقييد بكونه في يوم القيامة.

السابقالتالي
2 3 4