الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }

لما ذكر الله سبحانه أن الناس ينقسمون إلى ثلاث طوائف مؤمنين، وكافرين، ومنافقين، أمرهم بعد ذلك بالكون على ملة واحدة. وإنما أطلق على الثلاث الطوائف لفظ الإيمان لأن أهل الكتاب مؤمنون بنبيهم، وكتابهم، والمنافق مؤمن بلسانه، وإن كان غير مؤمن بقلبه. و { السلم } بفتح السين وكسرها قال الكسائي ومعناهما واحد، وكذا عند البصريين، وهما جميعاً يقعان للإسلام، والمسالمة. وقال أبو عمرو بن العلاء إنه بالفتح للمسالمة، وبالكسر للإسلام. وأنكر المبرد هذه التفرقة. وقال الجوهري { السلم } بفتح السين الصلح، وتكسر، ويذكر ويؤنث، وأصله من الاستسلام، والانقياد. ورجح الطبري أنه هنا بمعنى الإسلام، ومنه قول الشاعر الكندي
دَعَوْتُ عَشِيرَتِي للِسِّلم لَمّا رَأيْتُهمُ تَوَلَّوا مُدْبِرين   
أي إلى الإسلام. وقرأ الأعمش «السَّلمَ» بفتح السين، واللام. وقد حكى البصريون في سَلْم، وسِلْم، وسلم أنها بمعنى واحد { وكافة } حال من { السلم } ، أو من ضمير المؤمنين، فمعناه على الأوّل لا يخرج منكم أحد، وعلى الثاني لا يخرج من أنواع السلم شيء بل ادخلوا فيها جميعاً. أي في خصال الإسلام، وهو مشتق من قولهم كففت أي منعت، أي لا يمتنع منكم أحد من الدخول في الإسلام، والكفّ المنع، والمراد به هنا الجميع { ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسّلْمِ كَافَّةً } أي جميعاً. وقوله { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوٰتِ ٱلشَّيْطَـٰنِ } أي لا تسلكوا الطريق التي يدعوكم إليه الشيطان، وقد تقدّم الكلام على خطوات. قوله { زَلَلْتُمْ } أي تنحيتم عن طريق الاستقامة، وأصل الزلل في القدم، ثم استعمل في الاعتقادات، والآراء، وغير ذلك، يقال زلّ يَزِلُّ زلاً، وزللاً، وزلولاً أي دحضت قدمه. وقرىء " زَلِلْتُمْ " بكسر اللام، وهما لغتان، والمعنى فإن ضللتم، وعرّجتم عن الحق { مّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ ٱلْبَيّنَـٰتُ } أي الحجج الواضحة، والبراهين الصحيحة، أن الدخول في الإسلام هو الحق { فَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } غالب لا يعجزه الانتقام منكم { حَكِيمٌ } لا ينتقم إلا بحق. قوله { هَلْ يَنظُرُونَ } أي ينتظرون، يقال نظرته وانتظرته بمعنى، والمراد هل ينتظر التاركون للدخول في السلم، والظُّللَ جمع ظُلَّة، وهي ما يظلك، وقرأ قتادة، ويزيد بن القعقاع «في ظلال» وقرأ يزيد أيضاً " وَٱلْمَلَـئِكَةُ " بالجرّ عطفاً على الغمام، أو على ظلل. قال الأخفش { وَٱلْمَلَـئِكَةُ } الخفض بمعنى وفي الملائكة قال والرفع أجود. وقال الزجاج التقدير في ظلل من الغمام، ومن الملائكة، والمعنى هل ينتظرون إلا أن يأتيهم الله بما وعدهم من الحساب والعذاب في ظلل من الغمام، والملائكة. قال الأخفش وقد يحتمل أن يكون معنى الإتيان راجعاً إلى الجزاء، فسمي الجزاء إتياناً كما سمي التخويف، والتعذيب في قصة ثمود إتياناً، فقالفَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَـٰنَهُمْ مّنَ ٱلْقَوَاعِدِ }

السابقالتالي
2 3