الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ } * { وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } * { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ }

لما ذكر سبحانه طائفتي المسلمين بقوله { فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ } عقب ذلك بذكر طائفة المنافقين، وهم الذين يظهرون الإيمان، ويبطنون الكفر. وسبب النزول الأخنس بن شريق كما يأتي بيانه. قال ابن عطية ما ثبت قط أن الأخنس أسلم، وقيل إنها نزلت في قوم من المنافقين، وقيل إنها نزلت في كل من أضمر كفرّاً، أو نفاقاً، أو كذباً، وأظهر بلسانه خلافه. ومعنى قوله { يُعْجِبُكَ } واضح. ومعنى قوله { وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِى قَلْبِهِ } أنه يحلف على ذلك فيقول يشهد الله على ما في قلبي من محبتك، أو من الإسلام، أو يقول الله يعلم أني أقول حقاً، وأني صادق في قولي لك. وقرأ ابن محيصن " وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ " بفتح حرف المضارعة، ورفع الإسم الشريف على أنه فاعل، والمعنى ويعلم الله منه خلاف ما قال، ومثله قوله تعالىوَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ لَكَـٰذِبُونَ } المنافقون 1 وقراءة الجماعة أبلغ في الذمّ. وقرأ ابن عباس { والله يشهد على ما في قلبه } وقرأ أبيّ، وابن مسعود «ويستشهد الله على ما في قلبه». وقوله { في الحياة الدنيا } متعلق بالقول، أو بـ { يعجبك } ، فعلى الأوّل القول صادر في الحياة، وعلى الثاني الإعجاب صادر فيها. والألدّ الشديد الخصومة. يقال رجل ألدّ، وامرأة لداء، ولددته ألدّه إذا جادلته، فغلبته، ومنه قول الشاعر
وألدّ ذي جَنَفٍ عليَّ كَأنَّما نَغْلِى عَداوةٌ صدره في مْرجَل   
والخصام مصدر خاصم. قاله الخليل، وقيل جمع خصم، قاله الزجاج ككلب، وكلاب، وصعب، وصعاب، وضخم، وضخام، والمعنى أنه أشدّ المخاصمين خصومة، لكثرة جداله، وقوّة مراجعته، وإضافة الألدّ إلى الخصام بمعنى في، أي ألدّ في الخصام، أو جعل الخصام ألدّ على المبالغة. وقوله { وَإِذَا تَوَلَّىٰ } أي أدبر، وذهب عنك يا محمد. وقيل إنه بمعنى ضلّ، وغضب، وقيل إنه بمعنى الولاية أي إذا كان والياً فعل ما يفعله ولاة السوء من الفساد في الأرض. والسعي المذكور يحتمل أن يكون المراد به السعي بالقدمين إلى ما هو فساد في الأرض، كقطع الطريق، وحرب المسلمين، ويحتمل أن يكون المراد به العمل في الفساد، وإن لم يكن فيه سعي بالقدمين، كالتدبير على المسلمين بما يضرّهم، وأعمال الحيل عليهم، وكل عمل يعمله الإنسان بجوارحه، أو حواسه يقال له سعي، وهذا هو الظاهر من هذه الآية. وقوله { وَيُهْلِكَ } عطف على قوله { لِيُفْسِدَ } وفي قراءة أبيّ «وليهلك». وقرأه قتادة بالرفع. وروى عن ابن كثير " وَيُهْلِكَ " بفتح الياء وضم الكاف، ورفع الحرث، والنسل، وهي قراءة الحسن، وابن محيصن. والمراد بالحرث الزرع والنسل الأولاد، وقيل الحرث النساء. قال الزجاج وذلك، لأن النفاق يؤدي إلى تفريق الكلمة، ووقوع القتال، وفيه هلاك الخلق، وقيل معناه أن الظالم يفسد في الأرض، فيمسك الله المطر، فيهلك الحرث، والنسل.

السابقالتالي
2 3