الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

قوله { وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ } اختلف العلماء في المعنى المراد بإتمام الحج، والعمرة لله، فقيل أداؤهما، والإتيان بهما، من دون أن يشوبهما شيء مما هو محظور، ولا يخلّ بشرط، ولا فرض لقوله تعالىفَأَتَمَّهُنَّ } البقرة 124 وقولهثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصّيَامَ إِلَى ٱلَّيْلِ } البقرة 187. وقال سفيان الثوري إتمامهما أن تخرج لهما لا لغيرهما، وقيل إتمامهما أن تفرد كل واحد منهما من غير تمتُّعٍ، ولا قِرَان، وبه قال ابن حبيب. وقال مقاتل إتمامهما ألا يَسْتَحِلوا فيهما ما لا ينبغي لهم، وقيل إتمامهما أن يُحِرْم لهما من دُوَيْرة أهله، وقيل أن ينفق في سفرهما الحلال الطيب، وسيأتي بيان سبب نزول الآية، وما هو مرويّ عن السلف في معنى إتمامهما. وقد استُدِل بهذه الآية على وجوب العمرة لأن الأمر بإتمامهما أمر بها، وبذلك قال عليّ، وابن عمر، وابن عباس، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، والحسن، وابن سيرين، والشعبي، وسعيد بن جبير، ومسروق، وعبد الله بن شدّاد، والشافعي، وأحمد. وإسحاق، وأبو عبيد، وابن الجهم من المالكية. وقال مالك والنخعي وأصحاب الرأي كما حكاه ابن المنذر عنهم أنها سنة. وحكى عن أبي حنيفة أنه يقول بالوجوب. ومن القائلين بأنها سنة ابن مسعود وجابر بن عبد الله. ومن جملة ما استدل به الأوّلون ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال لأصحابه " من كان معه هَدي فلْيُهِلِّ بحج وعمرة " وثبت عنه أيضاً في الصحيح أنه قال " دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة " وأخرج الدارقطني، والحاكم من حديث زيد بن ثابت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الحجّ والعمرة فريضتان لا يضرّك بأيهما بدأت " واستدل الآخرون بما أخرجه الشافعي في الآية، وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، عن أبي صالح الحنفي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الحجّ جهاد، والعمرة تطوّع " وأخرج ابن ماجه عن طلحة بن عبيد الله مرفوعاً مثله. وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والترمذي وصححه عن جابر أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمرة أواجبة هي؟ قال " لا، وأن تعتمروا خير لكم " وأجابوا عن الآية، وعن الأحاديث المصرحة بأنها فريضة بحمل ذلك على أنه قد وقع الدخول فيها، وهي بعد الشروع فيها واجبة بلا خلاف، وهذا، وإن كان فيه بُعْدٌ، لكنه يجب المصير إليه جمعاً بين الأدلة، ولا سيما بعد تصريحه صلى الله عليه وسلم بما تقدّم في حديث جابر من عدم الوجوب، وعلى هذا يحمل ما ورد مما فيه دلالة على وجوبها، كما أخرجه الشافعي في الأم، أن في الكتاب الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8