الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } * { وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم وَأَخْرِجُوهُمْ مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ } * { فَإِنِ ٱنتَهَوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ للَّهِ فَإِنِ ٱنْتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ }

لا خلاف بين أهل العلم أن القتال كان ممنوعاً قبل الهجرة لقوله تعالىفَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ } المائدة 13 وقولهوَٱهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً } المزمل 10 وقولهلَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ } الغاشية 22 وقولهٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } المؤمنون 96 ونحو ذلك مما نزل بمكة فلما هاجر إلى المدينة أمره الله سبحانه بالقتال، ونزلت هذه الآية، وقيل إن أوّل ما نزل قوله تعالىأُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَـٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ } الحج 39 فلما نزلت الآية كان صلى الله عليه وسلم يقاتل من قاتله، ويكفّ عمن كفّ عنه حتى نزل قوله تعالىٱفاقتلوا المشركين } التوبة 5 وقوله تعالىوَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَافَّةً } التوبة 36. وقال جماعة من السلف إن المراد بقوله { الذين يقاتلونكم } من عدا النساء، والصبيان، والرهبان، ونحوهم، وجعلوا هذه الآية محكمة غير منسوخة، والمراد بالاعتداء عند أهل القول الأوّل هو مقاتلة من يقاتل من الطوائف الكفرية. والمراد به على القول الثاني مجاوزة قتل من يستحق القتل إلى قتل من لا يستحقه ممن تقدّم ذكره. قوله { حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } يقال ثقف يثقف ثقفاً، ورجل ثقيف إذا كان محكماً لما يتناوله من الأمور. قال في الكشاف والثقف وجود على وجه الأخذ والغلبة، ومنه رجل ثقف سريع الأخذ لأقرانه. انتهى. ومنه قول حسان
فإما يثقفنّ بني لؤى جذيمة إنّ قتلهم دواء   
قوله { وَأَخْرِجُوهُمْ مّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ } أي مكة. قال ابن جرير الخطاب للمهاجرين، والضمير لكفار قريش. انتهى. وقد امتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ربه، فأخرج من مكة مَن لم يُسلم عند أن فتحها الله عليه. قوله { وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ } أي الفتنة التي أرادوا أن يفتنوكم، وهي رجوعكم إلى الكفر أشدّ من القتل. وقيل المراد بالفتنة المحنة التي تنزل بالإنسان في نفسه، أو ماله، أو اهله، أو عرضه، وقيل إن المراد بالفتنة الشرك الذي عليه المشركون لأنهم كانوا يستعظمون القتل في الحرم، فأخبرهم الله أن الشرك الذي هم عليه أشدّ مما يستعظمونه، وقيل المراد فتنتهم إياكم بصدّكم عن المسجد الحرام اشدّ من قتلكم إياهم في الحرم، أو من قتلهم إياكم إن قتلوكم. والظاهر أن المراد الفتنة في الدين بأيّ سبب كان، وعلى أيّ صورة اتفقت، فإنها أشدّ من القتل. قوله { وَلاَ تُقَـٰتِلُوهُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } الآية. اختلف أهل العلم في ذلك، فذهبت طائفة إلى أنها محكمة، وأنه لا يجوز القتال في الحرم، إلا بعد أن يتعدّى بالقتال فيه، فإنه يجوز دفعه بالمقاتلة له، وهذا هو الحق. وقالت طائفة إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالىفَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } التوبة 36 ويجاب عن هذا الاستدلال بأن الجمع ممكن ببناء العام على الخاص، فيقتل المشرك حيث وجد إلا بالحرم، ومما يؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم

السابقالتالي
2 3