الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ وَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

قوله { يَسْأَلُونَكَ } سيأتي بيان من هم السائلون له صلى الله عليه وسلم، و { الأهلة } جمع هلال، وجمعها باعتبار هلال كل شهر أو كل ليلة، تنزيلاً لاختلاف الأوقات منزلة اختلاف الذوات، والهلال اسم لما يبدو في أوّل الشهر، وفي آخره. قال الأصمعي هو هلال حتى يستدير، وقيل هو هلال حتى ينير بضوئه السماء، وذلك ليلة السابع. وإنما قيل له هلال لأن الناس يرفعون أصواتهم بالإخبار عنه عند رؤيته، ومنه استهلّ الصبي إذا صاح، واستهلّ وجهه، وتهلل إذا ظهر فيه السرور. قوله { قُلْ هِىَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجّ } فيه بيان وجه الحكمة في زيادة الهلال، ونقصانه، وأن ذلك لأجل بيان المواقيت التي يوقت الناس عباداتهم، ومعاملاتهم بها كالصوم، والفطر، والحج، ومدّة الحمل، والعدّة، والإجارات، والأيمان، وغير ذلك، ومثله قوله تعالىلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسّنِينَ وَٱلْحِسَابَ } يونس 5 والمواقيت جمع الميقات، وهو الوقت. وقراءة الجمهور { والحج } بفتح الحاء. وقرأ ابن أبي إسحاق بكسرها في جميع القرآن. قال سيبويه الحج بالفتح كالردّ والشدّ، وبالكسر كالذكر مصدران بمعنى، وقيل بالفتح مصدر، وبالكسر الاسم. وإنما أفرد سبحانه الحج بالذكر لأنه مما يحتاج فيه إلى معرفة الوقت، ولا يجوز فيه النسيء، عن وقته، ولعظم المشقة على من التبس عليه وقت مناسكه، أو أخطأ وقتها، أو وقت بعضها. وقد جعل بعض علماء المعاني هذا الجواب، أعني قوله { قُلْ هِىَ مَوَاقِيتُ } من الأسلوب الحكيم، وهو تلقي المخاطب بغير ما يترقب، تنبيهاً على أنه الأولى بالقصد، ووجه ذلك أنهم سألوا عن أجرام الأهلة باعتبار زيادتها، ونقصانها، فأجيبوا بالحكمة التي كانت تلك الزيادة، والنقصان لأجلها لكون ذلك أولى بأن يقصد السائل وأحق بأن يتطلع لعلمه. قوله { وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا } وجه اتصال هذا بالسؤال عن الأهلة، والجواب بأنها مواقيت للناس، والحج أن الأنصار كانوا إذا حجوا لا يدخلون من أبواب بيوتهم إذا رجع أحدهم إلى بيته بعد إحرامه قبل تمام حجه لأنهم يعتقدون أن المحرم لا يجوز أن يحول بينه، وبين السماء حائل، وكانوا يتسنمون ظهور بيوتهم. وقال أبو عبيدة إن هذا من ضرب المثل، والمعنى ليس البرّ أن تسألوا الجهال، ولكن البرّ التقوى، واسألوا العلماء كما تقول أتيت هذا الأمر من بابه. وقيل هو مثل في جماع النساء، وأنهم أمروا بإتيانهنّ في القبل لا في الدبر. وقيل غير ذلك. والبيوت جمع بيت، وقرىء بضم الباء، وكسرها. وقد تقدّم تفسير التقوى والفلاح، وسبق أيضاً أن التقدير في مثل قوله { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ } ولكن البرّ برّ من اتقى. وقد أخرج ابن عساكر بسند ضعيف، عن ابن عباس في قوله تعالى { يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلأهِلَّةِ } قال نزلت في معاذ بن جبل، وثعلبة بن عثمة.

السابقالتالي
2