الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

{ رَمَضَانَ } مأخوذ من رمض الصائم يرمض إذا احترق جوفه من شدة العطش، والرمضاء ممدود شدّة الحرّ، ومنه الحديث الثابت في الصحيح " صلاة الأوّابين إذا رمضت الفصال " أي أحرقت الرمضاء أجوافها. قال الجوهري وشهر رمضان يجمع على رمضانات، وأرمضاء ــ يقال إنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق هذا الشهر أيام الحرّ، فسمي بذلك، وقيل إنما سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب، أي يحرقها بالأعمال الصالحة. وقال الماوردي إن اسمه في الجاهلية ناتق، وأنشد المفضل
وفي ناتِقٍ أجْلَت لَدى حَوْمَةِ الوَغَى وَوَلَّتْ على الأدبار فُرسانُ خَثْعَما   
وإنما سموه بذلك لأنه كان ينتقهم لشدّته عليهم، و { شهر } مرتفع في قراءة الجماعة على أنه مبتدأ خبره { ٱلَّذِى أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ } أو على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أي المفروض عليكم صومه شهر رمضان، ويجوز أن يكون بدلاً من الصيام المذكور في قوله تعالى { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصّيَامُ }. وقرأ مجاهد، وشهر بن حوشب بنصب الشهر، ورواها هارون الأعور عن أبي عمرو، وهو منتصب بتقدير الزموا أو صوموا. قال الكسائي، والفراء إنه منصوب بتقدير فعل { كتب عليكم الصيام } { وأن تصوموا } وأنكر ذلك النحاس، وقال إنه منصوب على الإغراء. وقال الأخفش إنه نصب على الظرف، ومنع الصرف للألف والنون الزائدتين. قوله { أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ } قيل أنزل من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، ثم كان جبريل ينزل به نجماً نجماً. وقيل أنزل فيه أوّله، وقيل أنزل في شأنه القرآن. وهذه الآية أعم من قوله تعالىإِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } القدر 1. وقولهإِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ } الدخان 3 يعني ليلة القدر. والقرآن اسم لكلام الله تعالى، وهو بمعنى المقروء كالمشروب سمي شراباً، والمكتوب سمي كتاباً، وقيل هو مصدر قرأ يقرأ، ومنه قول الشاعر
ضحوا بأشمط عنوان السجود به يقطع الليل تسبيحاً وقرآناً   
أي قراءة، ومنه قوله تعالىوقرآن الفجر } الإسراء 78 أي قراءة الفجر. وقوله { هُدىً لّلنَّاسِ } منتصب على الحال، أي هادياً لهم. وقوله { وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ } من عطف الخاص على العام، إظهاراً لشرف المعطوف بإفراده بالذكر لأن القرآن يشمل محكمه، ومتشابهه، والبينات تختص بالحكم منه. والفرقان ما فرق بين الحق، والباطل أي فصل. قوله { مَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ } أي حضر، ولم يكن في سفر بل كان مقيماً، والشهر منتصب على أنه ظرف، ولا يصح أن يكون مفعولاً به. قال جماعة من السلف، والخلف إن من أدركه شهر رمضان مقيماً غير مسافر لزمه صيامه، سافر بعد ذلك، أو أقام استدلالاً بهذه الآية. وقال الجمهور إنه إذا سافر أفطر، لأن معنى الآية إن حضر الشهر من أوّله إلى آخره لا إذا حضر بعضه، وسافر، فإنه لا يتحتم عليه إلا صوم ما حضره، وهذا هو الحق، وعليه دلت الأدلة الصحيحة من السنة.

السابقالتالي
2 3 4