الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ }

قوله { لَّيْسَ ٱلْبِرَّ } قرأ حمزة، وحفص بالنصب على أنه خبر ليس، والاسم { أَن تُوَلُّواْ } وقرأ الباقون بالرفع على أنه الاسم. قيل إن هذه الآية نزلت للردّ على اليهود، والنصارى، لما أكثروا الكلام في شأن القبلة عند تحويل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة، وقيل إن سبب نزولها أنه سأل رسول الله سائل، وسيأتي ذلك آخر البحث إن شاء الله. وقوله { قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ } قيل أشار سبحانه بذكر المشرق إلى قبلة النصارى لأنهم يستقبلون مطلع الشمس، وأشار بذكر المغرب إلى قبلة اليهود لأنهم يستقبلون بيت المقدس، وهو في جهة الغرب منهم إذ ذاك. وقوله { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ } هو اسم جامع للخير، وخبره محذوف تقديره برّ من آمن. قاله الفراء وقطرب والزجاج. وقيل إن التقدير ولكن ذو البر من آمن، ووجه هذا التقدير الفرار عن الإخبار باسم العين عن اسم المعنى، ويجوز أن يكون البرّ بمعنى البار، وهو يطلق المصدر على اسم الفاعل كثيراً، ومنه في التنزيلإِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً } الملك 30 أي غائراً، وهذا اختيار أبي عبيدة. والمراد بالكتاب هنا الجنس، أو القرآن، والضمير في قوله { عَلَىٰ حُبّهِ } راجع إلى المال، وقيل راجع إلى الإيتاء المدلول عليه بقوله { وآتى المال } وقيل إنه راجع إلى الله سبحانه، أي على حبّ الله، والمعنى على الأوّل أنه أعطى المال، وهو يحبه، ويشح به، ومنه قوله تعالىلَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } آل عمران 92 والمعنى على الثاني أنه يحب إيتاء المال، وتطيب به نفسه، والمعنى على الثالث أنه أعطى من تضمنته الآية في حبّ الله عزّ وجلّ لا لغرض آخر، وهو مثل قولهوَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبّهِ } الإنسان 8 ومثله قول زهير
إن الكريم على علاته هرم   
وقدّم { ذوي القربى } لكون دفع المال إليهم صدقة، وصلة إذا كانوا فقراء، وهكذا اليتامى الفقراء أولى بالصدقة من الفقراء الذين ليسوا بيتامى، لعدم قدرتهم على الكسب. والمسكين الساكن إلى ما في أيدي الناس لكونه لا يجد شيئاً. { وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } المسافر المنقطع، وجعل ابناً للسبيل لملازمته له. وقوله { وَفِي ٱلرّقَابِ } أي في معاونة الأرقاء الذين كاتبهم المالكون لهم، وقيل المراد شراء الرقاب، وإعتاقها، وقيل المراد فكّ الأسارى. وقوله { وَاتى ;لزَّكَوٰةَ } فيه دليل على أن الإيتاء المتقدم هو صدقة التطوّع، لا صدقة الفريضة. وقوله { وَٱلْمُوفُونَ } قيل هو معطوف على «من آمن»، كأنه قيل ولكن البرّ المؤمنون والموفون. قاله الفراء، والأخفش. وقيل هو مرفوع على الابتداء، والخبر محذوف. وقيل هو خبر لمبتدأ محذوف، أي هم الموفون. وقيل إنه معطوف على الضمير في آمن، وأنكره أبو عليّ، وقال ليس المعنى عليه.

السابقالتالي
2 3