الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ ٱلنَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ بِٱلْهُدَىٰ وَٱلْعَذَابَ بِٱلْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ } * { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِي ٱلْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ }

قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ } قيل المراد بهذه الآية علماء اليهود لأنهم كتموا ما أنزل الله في التوراة من صفة محمد صلى الله عليه وسلم. والاشتراء هنا الاستبدال، وقد تقدّم تحقيقه، وسماه قليلاً لانقطاع مدّته وسوء عاقبته، وهذا السبب، وإن كان خاصاً، فالاعتبار بعموم اللفظ، وهو يشمل كل من كتم ما شرعه الله، وأخذ عليه الرشا، وذكر البطون دلالة، وتأكيداً أن هذا الأكل حقيقة، إذ قد يستعمل مجازاً في مثل أكل فلان أرضى، ونحوه، وقال في الكشاف إن معنى { فِي بُطُونِهِمْ } ملء بطونهم قال يقول أكل فلان في بطنه، وأكل في بعض بطنه. انتهى. وقوله { إِلاَّ ٱلنَّارُ } أي أنه يوجب عليهم عذاب النار، فسمى ما أكلوه ناراً لأنه يؤول بهم إليها، هكذا قال أكثر المفسرين، وقيل إنهم يعاقبون على كتمانهم بأكل النار في جهنم حقيقة، ومثله قوله سبحانهإِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰلَ ٱلْيَتَـٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً } النساء 10 وقوله { وَلاَ يُكَلّمُهُمُ ٱللَّهُ } فيه كناية عن حلول غضب الله عليهم، وعدم الرضا عنهم، يقال فلان لا يكلم فلاناً إذا غضب عليه. وقال ابن جرير الطبري المعنى ولا يكلمهم بما يحبونه لا بما يكرهونه. كقوله تعالىٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ } المؤمنون 108، وقوله { وَلاَ يُزَكّيهِمْ } معناه لا يثنى عليهم خيراً. قاله الزجاج. وقيل معناه لا يصلح أعمالهم الخبيثة، فيطهرهم. وقوله { ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ } قد تقدّم تحقيق معناه. وقوله { فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ } ذهب الجمهور ومنهم الحسن ومجاهد إلى أن معناه التعجب، والمراد تعجيب المخلوقين من حال هؤلاء الذين باشروا الأسباب الموجبة لعذاب النار، فكأنهم بهذه المباشرة للأسباب صبروا على العقوبة في نار جهنم. وحكى الزجاج أن المعنى ما أبقاهم على النار، من قولهم ما أصبر فلاناً على الحبس، أي ما أبقاه فيه، وقيل المعنى ما أقلّ جزعهم من النار، فجعل قلة الجزع صبراً. وقال الكسائي وقُطْرُب أي ما أدومهم على عمل أهل النار. وقيل «ما» استفهامية، ومعناه التوبيخ أي أيّ شيء أصبرهم على عمل النار. قاله ابن عباس، والسدي، وعطاء، وأبو عبيدة. { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقّ } الإشارة باسم الإشارة إلى الأمر، أي ذلك الأمر، وهو العذاب. قاله الزجاج. وقال الأخفش إن خبر اسم الإشارة محذوف، والتقدير ذلك معلوم. والمراد بالكتاب هنا القرآن، { بِٱلْحَقّ } أي بالصدق. وقيل بالحجة. وقوله { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ } قيل المراد بالكتاب هنا التوراة، فادّعى النصارى أن فيها صفة عيسى، وأنكرهم اليهود، وقيل خالفوا ما في التوراة من صفة محمد صلى الله عليه وسلم واختلفوا فيها. وقيل المراد القرآن، والذين اختلفوا كفار قريش، يقول بعضهم هو سحر، وبعضهم يقول هو أساطير الأوّلين، وبعضهم يقول غير ذلك.

السابقالتالي
2