الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَٱشْكُرُواْ للَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } * { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ ٱللَّهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله { كُلُواْ مِن طَيِّبَـٰتِ مَا رَزَقْنَـٰكُمْ } هذا تأكيد للأمر الأول أعني قوله { يـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِى ٱلأرْضِ حَلَـٰلاً طَيّباً } وإنما خص المؤمنين هنا لكونهم أفضل أنواع الناس. وقيل والمراد بالأكل الانتفاع. وقيل المراد به الأكل المعتاد، وهو الظاهر. قوله { وَٱشْكُرُواْ للَّهِ } قد تقدّم أنه يقال شكره، وشكر له يتعدى بنفسه، وبالحرف. وقوله { إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } أي تخصونه بالعبادة كما يفيده تقدّم المفعول. قوله { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ } قرأ أبو جعفر " حُرِّم " على البناء للمفعول، و { إِنَّمَا } كلمة موضوعة للحصر تثبت ما تناوله الخطاب، وتنفي ما عداه. وقد حصرت ها هنا التحريم في الأمور المذكورة بعدها. قوله { ٱلْمَيْتَةُ } قرأ ابن أبي عبلة بالرفع، ووجه ذلك أنه يجعل «ما» في { إنما } موصولة منفصلة في الخط، والميتة وما بعدها خبر الموصول، وقراءة الجميع بالنصب. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع " المِّيتة " بتشديد الياء، وقد ذكر أهل اللغة أنه يجوز في ميت التشديد والتخفيف. والميتة ما فارقها الروح من غير ذكاة. وقد خصص هذا العموم بمثل حديث «أحلّ لنا ميتتان ودمان» أخرجه أحمد، وابن ماجه، والدارقطني، والحاكم، وابن مردويه، عن ابن عمر مرفوعاً، ومثل حديث جابر في العنبر الثابت في الصحيحين مع قوله تعالىأُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ } المائدة 96 فالمراد بالميتة هنا ميتة البرّ لا ميتة البحر. وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى جواز أكل جميع حيوانات البحر حيها، وميتها. وقال بعض أهل العلم إنه يحرم من حيوانات البحر ما يحرم شبهه في البر، وتوقف ابن حبيب في خنزير الماء. وقال ابن القاسم وأنا أتقيه، ولا أراه حراماً. قوله { وَٱلدَّمَ } قد اتفق العلماء على أن الدم حرام، وفي الآية الأخرىأَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا } الأنعام 145 فيحمل المطلق على المقيد لأن ما خلط باللحم غير محرم، قال القرطبي بالإجماع. وقد روت عائشة أنها كانت تطبخ اللحم، فتعلو الصفرة على البُرْمَة من الدم، فيأكل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينكره. قوله { وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ } ظاهر هذه الآية، والآية الأخرى أعني قوله تعالىقُل لا أَجِدُ فِيمَا أُوحِىَ اِلي مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ } الأنعام 145 أن المحرّم إنما هو اللحم فقط. وقد أجمعت الأمة على تحريم شحمه كما حكاه القرطبي في تفسيره وقد ذكر جماعة من أهل العلم أن اللحم يدخل تحته الشحم. وحكى القرطبي الإجماع أيضاً على أن جملة الخنزير محرّمة إلا الشعر، فإنه تجوز الخرازة به. قوله { وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ ٱللَّهِ } الإهلال رفع الصوت، يقال أهلّ بكذا، أي رفع صوته.

السابقالتالي
2 3