الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

لما ذكر سبحانه التوحيد بقوله { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ } عقب ذلك بالدليل الدالّ عليه، وهو هذه الأمور التي هي من أعظم صنعة الصانع الحكيم، مع علم كل عاقل بأنه لا يتهيأ من أحد من الآلهة التي أثبتها الكفار أن يأتي بشيء منها، أو يقتدر عليه، أو على بعضه، وهي خلق السموات، وخلق الأرض، وتعاقب الليل والنهار، وجرى الفلك في البحر، وإنزال المطر من السماء، وإحياء الأرض به، وبثّ الدوابّ منها بسببه، وتصريف الرياح، فإن من أمعن نظره، وأعمل فكره في واحد منها انبهر له، وضاق ذهنه عن تصوّر حقيقته. وتحتم عليه التصديق بأن صانعه هو الله سبحانه، وإنما جمع السموات لأنها أجناس مختلفة، كل سماء من جنس غير جنس الأخرى، ووحد الأرض لأنها كلها من جنس واحد، وهو التراب. والمراد باختلاف الليل، والنهار تعاقبهما بإقبال أحدهما، وإدبار الآخر، وإضاءة أحدهما، وإظلام الآخر. والنهار ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس. وقال النضر بن شميل أوّل النهار طلوع الشمس، ولا يعدّ ما قبل ذلك من النهار. وكذا قال ثعلب، واستشهد بقول أمية بن أبي الصلت
والشَّمْسُ تَطْلع كلَّ آخر لَيْلةٍ حمراء يُصْبح لوْنُهَا يتورَّدُ   
وكذا قال الزجاج. وقسم ابن الأنباري الزمان إلى ثلاثة أقسام قسماً جعله ليلاً محضاً، وهو من غروب الشمس إلى طلوع الفجر. وقسماً جعله نهاراً محضاً، وهو من طلوع الشمس إلى غروبها. وقسماً جعله مشتركاً بين النهار والليل، وهو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لبقايا ظلمة الليل ومبادىء ضوء النهار. هذا باعتبار مصطلح أهل اللغة. وأما في الشرع فالكلام في ذلك معروف. والفلك السفن، وإفراده، وجمعه بلفظ واحد، وهو هذا، ويذكر، ويؤنث. قال الله تعالىفِى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } الشعراء 19 { وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِى تَجْرِى فِى ٱلْبَحْرِ } وقالحَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِى ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم } يونس 22 وقيل واحده فلَك بالتحريك، مثل أسد وأسَد. وقوله { بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ } يحتمل أن تكون " ما " موصولة، أي بالذي ينفعهم، أو مصدرية، أي بنفعهم، والمراد بما أنزل من السماء المطر الذي به حياة العالم، وإخراج النبات، والأرزاق. والبثّ النشر، والظاهر أن قوله { بَثَّ } معطوف على قوله { فَأَحْيَا } لأنهما أمران متسببان عن إنزال المطر. وقال في الكشاف إن الظاهر عطفه على أنزل. والمراد بتصريف الرياح إرسالها عقيماً، وملقحة، وصرّاً، ونصراً، وهلاكاً، وحارة، وباردة، ولينة، وعاصفة، وقيل تصريفها إرسالها جنوباً، وشمالاً ودَبُوراً، وصباً، ونكباً وهي التي تأتي بين مهبَّي ريحين، وقيل تصريفها أن تأتي السفن الكبار بقدر ما تحملها، والصغار كذلك، ولا مانع من حمل التصريف على جميع ما ذكر. والسحاب سمي سحاباً لانسحابه في الهواء، وسحبت ذيلي سحباً، وتسحب فلان على فلان اجترأ.

السابقالتالي
2