الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلْكِتَابِ أُولَـٰئِكَ يَلعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللاَّعِنُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } * { إِن الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } * { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ } * { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ }

قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ } إلى آخر الآية فيه الإخبار بأن الذي يكتم ذلك ملعون، واختلفوا مَن المراد بذلك؟ فقيل أحبار اليهود، ورهبان النصارى، الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل كل من كتم الحق، وترك بيان ما أوجب الله بيانه، وهو الراجح لأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما تقرر في الأصول، فعلى فرض أن سبب النزول ما وقع من اليهود، والنصارى من الكتم، فلا ينافي ذلك تناول هذه الآية كل من كتم الحق. وفي هذه الآية من الوعيد الشديد ما لا يقادر قدره، فإن من لعنه الله، ولعنه كل من يتأتي منه اللعن من عباده، قد بلغ من الشقاوة، والخسران إلى الغاية التي لا تلحق، ولا يدرك كنهها. وفي قوله { مِنَ ٱلْبَيِّنَـٰتِ وَٱلْهُدَىٰ } دليل على أنه يجوز كتم غير ذلك، كما قال أبو هريرة «حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاءين أما أحدهما، فبثثته، وأما الآخر، فلو بثثته قطع هذا البلعوم» أخرجه البخاري. والضمير في قوله { مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّـٰهُ } راجع إلى ما أنزلنا. والكتاب اسم جنس، وتعريفه يفيد شموله لجميع الكتب. وقيل المراد به التوراة. واللعن الإبعاد والطرد. والمراد بقوله { ٱللَّـٰعِنُونَ } الملائكة، والمؤمنون قاله، الزجاج وغيره، ورجحه ابن عطية. وقيل كل من يتأتى منه اللعن، فيدخل في ذلك الجن وقيل هم الحشرات والبهائم. وقوله { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ } الخ، فيه استثناء التائبين، والمصلحين لما فسد من أعمالهم، والمبينين للناس ما بينه الله في كتبه، وعلى ألسن رسله. قوله { وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ } هذه الجملة حالية، وقد استدل بذلك على أنه لا يجوز لعن كافر معين لأن حاله عند الوفاة لا يعلم، ولا ينافي ذلك ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من لعنه لقوم من الكفار بأعيانهم لأنه يعلم بالوحي ما لا نعلم، وقيل يجوز لعنه عملاً بظاهر الحال كما يجوز قتاله. قوله { أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ٱللَّهِ } الخ، استدل به على جواز لعن الكفار على العموم. قال القرطبي ولا خلاف في ذلك. قال وليس لعن الكافر بطريق الزجر له عن الكفر بل هو جزاء على الكفر، وإظهار قبح كفره، سواء كان الكافر عاقلاً، أو مجنوناً. وقال قوم من السلف لا فائدة في لعن من جُنّ، أو مات منهم لا بطريق الجزاء، ولا بطريق الزجر. قال ويدل على هذا القول أن الآية دالة على الإخبار عن الله، والملائكة، والناس بلعنهم، لا على الأمر به. قال ابن العربي إن لعن العاصي المعين لا يجوز باتفاق، لما روى «أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتى بشارب خمر مراراً، فقال بعض من حضر لعنه الله ما أكثر ما يشربه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم

السابقالتالي
2 3