الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يَآأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ } * { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ } * { ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } * { أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ }

لما فرغ سبحانه من إرشاد عباده إلى ذكره، وشكره، عقب ذلك بإرشادهم إلى الاستعانة بالصبر، والصلاة، فإنّ من جمع بين ذكر الله، وشكره، واستعان بالصبر، والصلاة على تأدية ما أمر الله به، ودفع ما يرد عليه من المحن، فقد هُدِى إلى الصواب، ووُفِّق إلى الخير، وإن هذه المعية التي أوضحها الله بقوله { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ } فيها أعظم ترغيب لعباده سبحانه إلى لزوم الصبر على ما ينوب من الخطوب، فمن كان الله معه لم يخش من الأهوال، وإن كانت كالجبال. وأموات، وأحياء مرتفعان على أنهما خبران لمحذوفين، أي لا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله هم أموات، بل هم أحياء، ولكن لا تشعرون بهذه الحياة عند مشاهدتكم لأبدانهم، بعد سلب أرواحهم لأنكم تحكمون عليها بالموت في ظاهر الأمر بحسب ما يبلغ إليه علمكم الذي هو بالنسبة إلى علم الله كما يأخذ الطائر في منقاره من ماء البحر، وليسوا كذلك في الواقع، بل هم أحياء في البرزخ. وفي الآية دليل على ثبوت عذاب القبر، ولا اعتداد بخلاف من خالف في ذلك، فقد تواترت به الأحاديث الصحيحة، ودلت عليه الآيات القرآنية، ومثل هذه الآية قوله تعالىوَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوٰتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ } آل عمران 169. والبلاء أصله المحنة، ومعنى نبلوكم نمتحنكم لنختبركم، هل تصبرون على القضاء أم لا؟ وتنكير شيء للتقليل، أي بشيء قليل من هذه الأمور. وقرأ الضحاك " بأشياء ". والمراد بالخوف ما يحصل لمن يخشى من نزول ضرر به من عدوّ أو غيره، وبالجوع المجاعة التي تحصل عند الجدب، والقحط، وبنقص الأموال ما يحصل فيها بسبب الجوائج، وما أوجبه الله فيها من الزكاة، ونحوها. وبنقص الأنفس الموت والقتل في الجهاد، وبنقص الثمرات ما يصيبها من الآفات، وهو من عطف الخاص على العام، لشمول الأموال للثمرات وغيرها، وقيل المراد بنقص الثمرات موت الأولاد. وقوله { وَبَشّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ } أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لكل من يقدر على التبشير. وقد تقدّم معنى البشارة. والصبر أصله الحبس، ووصفهم بأنهم المسترجعون عند المصيبة لأن ذلك تسليم ورضا. والمصيبة واحدة المصائب، وهي النكبة التي يتأذّى بها الإنسان، وإن صغرت. وقوله { إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رٰجِعونَ } فيه بيان أن هذه الكلمات ملجأ للمصابين، وعصمة للممتحنين، فإنها جامعة بين الإقرار بالعبودية لله، والاعتراف بالبعث، والنشور. ومعنى الصلوات هنا المغفرة، والثناء الحسن. قاله الزجاج. وعلى هذا، فذكر الرحمة القصد التأكيد. وقال في الكشاف " الصلاة الرحمة، والتعطف، فوضعت موضع الرأفة، وجمع بينها، وبين الرحمة كقولهرأفة ورحمة } الحديد 27رَءوفٌ رَّحِيمٌ }

السابقالتالي
2