الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ }

قوله { سَيَقُولُ } هذا إخبار من الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، بأن السفهاء من اليهود، والمنافقين سيقولون هذه المقالة عند أن تتحول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة. وقيل إن { سَيَقُولُ } بمعنى قال، وإنما عبر عن الماضي بلفظ المستقبل للدلالة على استدامته، واستمرار عليه، وقيل إن الإخبار بهذا الخبر كان قبل التحول إلى الكعبة، وأن فائدة ذلك أن الإخبار بالمكروه إذا وقع قبل وقوعه كان فيه تهوين لصدمته، وتخفيف لروعته، وكسراً لسَوْرته. والسفهاء جمع سفيه، وهو الكذَّاب البَهَّات المعتقد خلاف ما يعلم، كذا قال بعض أهل اللغة. وقال في الكشاف هم خفاف الأحلام، ومثله في القاموس. وقد تقدّم في تفسير قولهإِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ } البقرة 130 ما ينبغي الرجوع إليه، ومعنى { مَا وَلَّـٰهُمْ } ما صرفهم { عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِى كَانُواْ عَلَيْهَا } وهي بيت المقدس. فردّ الله عليهم بقوله { قُل لّلَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ } فله أن يأمر بالتوجه إلى أيّ جهة شاء. وفي قوله { يَهْدِى مَن يَشَآء } إشعار بأن تحويل القبلة إلى الكعبة من الهداية للنبي صلى الله عليه وسلم، ولأهل ملته إلى الصراط المستقيم p>>وقوله { وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ } أي مثل ذلك الجعل جعلناكم، قيل معناه وكما أن الكعبة وسط الأرض كذلك جعلناكم أمة وسطا. والوسط الخيار، أو العدل، والآية محتملة للأمرين، ومما يحتملهما قول زهير
هُمُ وَسَطٌ تَرْضَى الأنَامُ بِحُكْمِهِم إذَا نَزَلت إحْدَى الليالِي بِمُعْظِم   
p>>ومثله قول الآخر
أنْتُم أوْسطُ حَيٍّ علِمُوا بِصَغِير الأمْرِ أو إحْدى الكُبرَ   
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تفسير الوسط هنا بالعدل كما سيأتي، فوجب الرجوع إلى ذلك، ومنه قول الراجز
لا تذهبنَّ في الأمور مفرطا لا تسألنّ إن سألتَ شطَطَا   
وكن مِن النَّاسِ جميعاً وسَطَاً   
p>>ولما كان الوسط مجانباً للغلو، والتقصير كان محموداً، أي هذه الأمة لم تغلُ غلوّ النصارى في عيسى، ولا قصروا تقصير اليهود في أنبيائهم، ويقال فلان أوسط قومه وواسطتهم أي خيارهم. وقوله { لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ } أي يوم القيامة تشهدون للأنبياء على أممهم، أنهم قد بلَّغوهم ما أمرهم الله بتبليغه إليهم، ويكون الرسول شهيداً على أمته بأنهم قد فعلوا ما أمر بتبليغه إليهم، ومثله قوله تعالىفَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـؤُلاء شَهِيداً } النساء 41، قيل إن قوله { عَلَيْكُمْ } يعني لكم، أي يشهد لهم بالإيمان. وقيل معناه يشهد عليكم بالتبليغ لكم. قال في الكشاف لما كان الشهيد كالرقيب والمهيمن على المشهود له جيء بكلمة الاستعلاء، ومنه قوله تعالىوَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء شَهِيدٌ } المجادلة 9كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء شَهِيدٌ }

السابقالتالي
2 3 4