الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ } * { ٱللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }

{ لَقُواْ } أصله لقيوا، نقلت الضمة إلى القاف، وحذفت الياء، لالتقاء الساكنين. ومعنى لقيته ولاقيته استقبلته قريباً. وقرأ محمد بن السميفع اليماني، وأبو حنيفة " لاقوا " ، وأصله لاقيوا تحرّكت الياء وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفا، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين. وخلوت بفلان وإليه إذا انفردت به. وإنما عدي بإلى، وهو يتعدى بالباء فيقال خلوت به لا خلوت إليه لتضمنه معنى ذهبوا وانصرفوا. والشياطين جمع شيطان على التكسير. وقد اختلف كلام سيبويه في نون الشيطان، فجعلها في موضع من كتابه أصلية، وفي آخر زائدة، فعلى الأوّل هو من شطن، أي بعد عن الحق، وعلى الثاني من شطّ، أي بعد أو شاط أي بطل، وشاط، أي احترق، وأشاط إذا هلك قال الشاعر
وقد يَشِيطُ علىَ أرمَاحِنا البَطَلُ   
أي يهلك. وقال آخر
وأبْيَضِ ذي تاجٍ أشَاطَت رِمَاحنُا لمَعْتَركٍ بين الفوَارِس أقتمَا   
أي أهلكت. وحكي سيبويه أن العرب تقول تشيطن فلان إذا فعل أفعال الشياطين. ولو كان من شاط لقالوا تشيط، ومنه قول أمية بن أبي الصلت
أيما شاطن عصاه عكا ه ورماه في السجن والأغلال   
وقوله { إِنَّا مَعَكُمْ } معناه مصاحبوكم في دينكم، وموافقوكم عليه. والهزؤ السخرية واللعب. قال الراجز
قد هَزِئَتْ مني أُم طيْسلَه قَالَت أرَاهُ مُعْدمَاً لا مَال لَهُ   
قال في الكشاف وأصل الباب الخفة، من الهزء، وهو القتل السريع، وهزأ يهزأ مات على المكان. عن بعض العرب مشيت فلغبت فظننت لأهزأنّ على مكاني. وناقته تهزأ به، أي تسرع وتخفّ. انتهى. وقيل أصله الانتقام. قال الشاعر
قد استهزءوا منهم بألفي مدجج سراتهم وسط الصحاصح جثم   
فأفاد قولهم { إِنَّا مَعَكُمْ } أنهم ثابتون على الكفر، وأفاد قولهم { إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءونَ } ردّهم للإسلام ورفعهم للحق، وكأنه جواب سؤال مقدّر ناشىء من قولهم { إنا معكم } أي إذا كنتم معنا فما بالكم إذا لقيتم المسلمين وافقتموهم؟ فقالوا إنما نحن مستهزءون بهم في تلك الموافقة، ولم تكن بواطننا موافقة لهم ولا مائلة إليهم، فردّ الله ذلك عليهم بقوله { ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىء بِهِمْ } أي ينزل بهم الهوان والحقارة وينتقم منهم ويستخفّ بهم انتصافاً منهم لعباده المؤمنين، وإنما جعل سبحانه ما وقع منه استهزاء مع كونه عقوبة ومكافأة مشاكلة. وقد كانت العرب إذا وضعت لفظاً بإزاء لفظ جواباً له وجزاء ذكرته بمثل ذلك اللفظ وإن كان مخالفاً له في معناه. وورد ذلك في القرآن كثيراً، ومنهوَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا } الشورى 40فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ } البقرة 194 والجزاء لا يكون سيئة. والقصاص لا يكون اعتداء لأنه حق، ومنهوَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ } آل عمران 54 و

السابقالتالي
2 3