الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـٰهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } * { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } * { وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { قُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } * { فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ ٱللَّهُ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { صِبْغَةَ ٱللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ } * { قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ } * { أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ ٱللَّهِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } * { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

قوله { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء } أم هذه قيل هي المنقطعة. وقيل هي المتصلة. وفي الهمزة الإنكار المفيد للتقريع، والتوبيخ، والخطاب لليهود، والنصارى الذين ينسبون إلى إبراهيم، وإلى بنيه أنهم على اليهودية، والنصرانية، فردّ الله ذلك عليهم، وقال لهم أشهدتم يعقوب، وعلمتم بما أوصى به بنيه، فتدّعون ذلك عن علم، أم لم تشهدوا بل أنتم مفترون. والشهداء جمع شاهد، ولم ينصرف لأن فيه ألف التأنيث التي لتأنيث الجماعة، والعامل في { إذ } الأولى معنى الشهادة، و { إذ } الثانية بدل من الأولى، والمراد بحضور الموت حضور مقدماته. وإنما جاء بما دون مَنْ في قوله { مَا تَعْبُدُونَ } لأن المعبودات من دون الله غالبها جمادات كالأوثان، والنار، والشمس، والكواكب، ومعنى { مِن بَعْدِى } أي من بعد موتي. وقوله { إِبْرٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ } عطف بيان لقوله { آبَائِكَ } وإسماعيل، وإن كان عماً ليعقوب لأن العرب تسمى العمّ أباً، وقوله { إِلَـٰهاً } بدل من إلهك، وإن كان نكرة، فذلك جائز، ولا سيما بعد تخصيصه بالصفة التي هي قوله { وٰحِداً } فإنه قد حصل المطلوب من الإبدال بهذه الصفة. وقيل إن إلهاً منصوب على الاختصاص، وقيل إنه حال. قال ابن عطية وهو قول حسن لأن الغرض الإثبات حال الوحدانية. وقرأ الحسن، ويحيى بن يعمر، وأبو رجاء العطاردي «وإله أبيك» فقيل أراد إبراهيم وحده. ويكون قوله { وَإِسْمَـٰعِيلَ } عطفاً على أبيك، وكذلك { إِسْحَـٰقَ } وإن كان هو أباه حقيقة، وإبراهيم جدّه، ولكن لإبراهيم مزيد خصوصية، وقيل إن قوله «أبيك» جمع كما روى عن سيبويه أن أبين جمع سلامة، ومثله أبون، ومنه قول الشاعر
فلما تَبَيَّن أصواتنا بكيْنَ وقد بننا بالأبينا   
وقوله { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } جملة حالية أي نعبده حال إسلامنا له، وجوَّز الزمخشري أن تكون اعتراضية على ما يذهب إليه من جواز وقوع الجمل الاعتراضية آخر الكلام. والإشارة بقوله { تِلْكَ } إلى إبراهيم، وبنيه، ويعقوب، وبنيه، و { أُمَّةٌ } بدل منه، وخبره { قَدْ خَلَتْ } أو أمة خبره، وقد خلت نعت لأمة، وقوله { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُم وَلاَ تُسْـئَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } بيان لحال تلك الأمة، وحال المخاطبين بأن لكل من الفريقين كسبه، لا ينفعه كسب غيره، ولا يناله منه شيء، ولا يضرّه ذنب غيره، وفيه الردّ على من يتكل على عمل سلفه، ويُرَوِّح نفسه بالأماني الباطلة، ومنه ما ورد في الحديث " من بطأ به عمله لم يسرع نسبه " والمراد أنكم لا تنتفعون بحسناتهم، ولا تؤاخَذون بسيئاتهم، ولا تُسألون عن أعمالهم، كما لا يُسْألَون عن أعمالكم، ومثلهوَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } الزمر 7

السابقالتالي
2 3 4 5 6