الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْعَاكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } * { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }

قوله { عَهِدْنَا } معناه هنا أمرنا أو أوجبنا. وقوله { أَن طَهّرَا } في موضع نصب بنزع الخافض، أي بأن طهراً قاله الكوفيون، وقال سيبويه هو بتقدير أي المفسرة أي أن طهراً، فلا موضع لها من الإعراب، والمراد بالتطهير قيل من الأوثان، وقيل من الآفات، والريب. وقيل من الكفار. وقيل من النجاسات، وطواف الجنب، والحائض، وكل خبيث. والظاهر أنه لا يختص بنوع من هذه الأنواع، وأن كل ما يصدق عليه مسمى التطهير، فهو يتناوله، إما تناولاً شمولياً أو بدلياً. والإضافة في قوله { بَيْتِىَ } للتشريف والتكريم، وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق، وأهل المدينة، وهشام، وحفص «بيتي» بفتح الياء، وقرأ الآخرون بإسكانها. والطائف الذي يطوف به. وقيل الغريب الطارىء على مكة. والعاكف المقيم وأصل العكوف في اللغة اللزوم، والإقبال على الشيء، وقيل هو المجاور دون المقيم من أهلها، والمراد بقوله { وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } المصلون، وخص هذين الركنين بالذكر لأنهما أشرف أركان الصلاة. وقوله { وَإِذْ قَالَ إِبْرٰهِيمُ } ستأتي الأحاديث الدالة على أن إبراهيم هو الذي حرّم مكة، والأحاديث الدالة على أن الله حرّمها يوم خلق السموات والأرض، والجمع بين هذه الأحاديث في هذا البحث. وقوله { بَلَدًا آمِنًا } أي مكة، والمراد الدعاء لأهله من ذريته وغيرهم كقولهعِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } الحاقة 21 أي راض صاحبها. وقوله { مَنْ ءامَنَ } بدل من قول أهلَه، أي ارزق من آمن من أهله دون من كفر. وقوله { وَمَن كَفَرَ } الظاهر أن هذا من كلام الله سبحانه ردّاً على إبراهيم حيث طلب الرزق للمؤمنين دون غيرهم، أي وارزق من كفر، فأمتعه بالرزق قليلاً، ثم أضطره إلى عذاب النار، ويحتمل أن يكون كلاماً مستقلاً بياناً لحال من كفر، ويكون في حكم الإخبار عن حال الكافرين بهذه الجملة الشرطية، أي من كفر، فإني أمتعه في هذه الدنيا بما يحتاجه من الرزق، { ثُمَّ أَضْطَرُّهُ } بعد هذا التمتيع { إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ } فأخبر سبحانه أنه لا ينال الكفرة من الخير إلا تمتيعهم في هذه الدنيا، وليس لهم بعد ذلك إلا ما هو شرّ محض، وهو عذاب النار وأما على قراءة من قرأ { فَأُمَتّعُهُ } بصيغة الأمر، وكذلك قوله { ثُمَّ أَضْطَرُّهُ } بصيغة الأمر، فهي مبنية على أن ذلك من جملة كلام إبراهيم، وأنه لما فرغ من الدعاء للمؤمنين دعا للكافرين بالإمتاع قليلاً، ثم دعا عليهم بأن يضطرهم إلى عذاب النار. ومعنى { أَضْطَرُّهُ } ألزمه حتى صيره مضطراً لذلك لا يجد عنه مخلصاً، ولا منه متحوّلاً. قوله { وَإِذْ يَرْفَعُ } هو حكاية لحال ماضية استحضاراً لصورتها العجيبة. والقواعد الأساس، قاله أبو عبيدة والفراء. وقال الكسائي هي الجدر.

السابقالتالي
2 3 4