الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } * { بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ ٱلْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }

قوله { هُودًا } قال الفراء يجوز أن يكون هوداً بمعنى يهودياً، وأن يكون جمع هائد. وقال الأخفش إن الضمير المفرد في كان هو باعتبار لفظ " من " ، والجمع في قوله { هوداً } باعتبار معنى " من " ، قيل في هذا الكلام حذف، وأصله وقالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان يهودياً، وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانياً. هكذا قال كثير من المفسرين، وسبقهم إلى ذلك بعض السلف، وظاهر النظم القرآني أن طائفتي اليهود، والنصارى وقع منهم هذا القول، وأنهم يختصون بذلك دون غيرهم، ووجه القول بأن في الكلام حذفاً ما هو معلوم من أن كل طائفة من هاتين الطائفتين تضلل الأخرى، وتنفي عنها أنها على شيء من الدين فضلاً عن دخول الجنة كما في هذا الموضع، فإنه قد حكى الله عن اليهود أنها قالت ليست النصارى على شيء، وقالت النصارى ليست اليهود على شيء، والأماني قد تقدّم تفسيرها، والإشارة بقوله تلك إلى ما تقدّم لهم من الأمانيّ التي آخرها أنه لا يدخل الجنة غيرهم، وقيل إن الإشارة إلى هذه الأمنية الآخرة، والتقدير أمثال تلك الأمنية أمانيهم، على حذف المضاف ليطابق أمانيهم، قوله { هَاتُواْ } أصله هاتيوا حذفت الضمة لثقلها، ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين، ويقال للمفرد المذكر هات، وللمؤنث هاتي، وهو صوت بمعنى أحْضر، والبرهان الدليل الذي يحصل عنده اليقين. قال ابن جرير طلب الدليل هنا يقتضي إثبات النظر، ويردّ على من ينفيه. وقوله { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } أي في تلك الأمانيّ المجردة، والدعاوي الباطلة، ثم ردّ عليهم، فقال { بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ } وهو إثبات لما نفوه من دخول غيرهم الجنة، أي ليس كما يقولون بل يدخلها من أسلم وجهه لله. ومعنى أسلم استسلم، وقيل أخلص. وخص الوجه بالذكر لكونه أشرف ما يرى من الإنسان. ولأنه موضع الحواس الظاهرة. وفيه يظهر العزّ والذل، وقيل إن العرب تخبر بالوجه عن جملة الشيء، وأن المعنى هنا الوجه وغيره. وقيل المراد بالوجه هنا المقصد، أي من أخلص مقصده وقوله { وَهُوَ مُحْسِنٌ } في محل نصب على الحال، والضمير في قوله { وَجْهَهُ } { وَلَهُ } باعتبار لفظ من، وفي قوله { عَلَيْهِمْ } باعتبار معناها. وقوله { مِنْ } إن كانت الموصولة، فهي فاعل لفعل محذوف أي بلى يدخلها من أسلم. وقوله { فَلَهُ } معطوف على { من أسلم } وإن كانت " من " شرطية، فقوله { فله } هو الجزاء، ومجموع الشرط، والجزاء ردّ على أهل الكتاب، وإبطال لتلك الدعوى. وقوله { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ } وما بعده فيه أن كل طائفة تنفي الخير عن الأخرى، ويتضمن ذلك إثباته لنفسها تحجراً لرحمة الله سبحانه.

السابقالتالي
2