الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } * { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

{ أَمْ } هذه هي المنقطعة التي بمعنى بل، أي بل تريدون، وفي هذا توبيخ، وتقريع، والكاف في قوله { كَمَا سُئِلَ } في موضع نصب نعت لمصدر محذوف، أي سؤالاً مثل ما سئل موسى من قبل، حيث سألوه أن يريهم الله جهرة، وسألوا محمداً صلى الله عليه وسلم أن يأتي بالله، والملائكة قبيلاً. وقوله { سَوَآء } هو الوسط من كل شيء قاله أبو عبيدة، ومنه قوله تعالىفِى سَوَاء ٱلْجَحِيمِ } الصافات 55 ومنه قول حسان يرثي النبيّ صلى الله عليه وسلم
يَا وَيْحَ أصْحابِ النَّبيّ وَرهْطِه بَعْد المُغَيَّبِ فِي سَوَاءِ المُلْحَدِ   
وقال الفراء السواء القصد، أي ذهب عن قصد الطريق، وسمته أي طريق طاعة الله. وقوله تعالى { وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } فيه إخبار المسلمين بحرص اليهود على فتنتهم، وردّهم عن الإسلام، والتشكيك عليهم في دينهم. وقوله { لَوْ يَرُدُّونَكُم } في محل نصب على أنه مفعول للفعل المذكور. وقوله { مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } يحتمل أن يتعلق بقوله { ودّ } أي ودّوا ذلك من عند أنفسهم، ويحتمل أن يتعلق بقوله { حَسَدًا } أي حسداً ناشئاً من عند أنفسهم، وهو علة لقوله { ودّ }. والعفو ترك المؤاخذة بالذنب. والصفح إزالة أثره من النفس، صفحت عن فلان إذا أعرضت عن ذنبه، وقد ضربت عنه صفحاً إذا أعرضت عنه، وفيه الترغيب في ذلك، والإرشاد إليه، وقد نسخ ذلك بالأمر بالقتال، قاله أبو عبيدة. وقوله { حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ } هو غاية ما أمر الله سبحانه به من العفو والصفح أي افعلوا ذلك إلى أن يأتي إليكم الأمر من الله سبحانه في شأنهم بما يختاره ويشاؤه، وما قد قضى به في سابق علمه، وهو قتل من قتل منهم، وإجلاء من أجلى، وضرب الجزية على من ضربت عليه، وإسلام من أسلم. وقوله { وأقيموا الصلاة } حثّ من الله سبحانه لهم على الاشتغال بما ينفعهم ويعود عليهم بالمصلحة، من إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة. وتقديم الخير الذي يثابون عليه حتى يمكن الله لهم، وينصرهم على المخالفين لهم. وقد أخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس، أنه قال قال رافع بن حُريَمْلة، ووهب بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا محمد ائتنا بكتاب يَنزَّل علينا من السماء نقرؤه، أو فجِّر لنا أنهاراً نتَّبعك، ونصدقك، فأنزل الله في ذلك { أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْـئَلُواْ رَسُولَكُمْ } الى قوله { سَوَاء ٱلسَّبِيلِ } وكان حيي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب من أشدّ اليهود حسداً للعرب، إذ خصهم الله برسوله، وكانا جاهديْن في ردّ الناس عن الإسلام ما استطاعا، فأنزل الله فيهما { وَدَّ كَثِيرٌ مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } الآية.

السابقالتالي
2