الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

النسخ في كلام العرب على وجهين أحدهما النقل، كنقل كتاب من آخر، وعلى هذا يكون القرآن كله منسوخاً، أعنى من اللوح المحفوظ، فلا مدخل لهذا المعنى في هذه الآية، ومنهإِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } الجاثية 29 أي نأمر بنسخه. الوجه الثاني الإبطال، والإزالة. وهو المقصود هنا. وهذا الوجه الثاني ينقسم إلى قسمين عند أهل اللغة. أحدهما إبطال الشيء، وزواله، وإقامة آخر مقامه، ومنه نسخت الشمس الظل إذا أذهبته، وحلت محله، وهو معنى قوله { مَا نَنسَخْ مِنْ ءايَةٍ } وفي صحيح مسلم " لم تكن نبوّة قط إلا تناسخت " أي تحوّلت من حال إلى حال. والثاني إزالة الشيء دون أن يقوم مقامه آخر كقولهم نسخت الريح الأثر، ومن هذا المعنىفَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِى ٱلشَّيْطَـٰنُ } الحج 52 أي يزيله. وروي عن أبي عبيد أن هذا قد كان يقع في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت تنزل عليه السورة، فترفع، فلا تتلى، ولا تكتب. ومنه ما روي عن أُبيّ، وعائشة، أن سورة الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة في الطول. قال ابن فارس النسخ نسخ الكتاب، والنسخ أن تزيل أمراً كان من قبل يعمل به، ثم تنسخه بحادث غيره، كالآية تنزل بأمر، ثم تنسخ بأخرى، وكل شيء خلف شيئاً، فقد انتسخه، يقال نسخت الشمس الظل، والشيب الشباب، وتناسخ الورثة أن يموت ورثة بعد ورثة، وأصل الميراث قائم، وكذا تناسخ الأزمنة والقرون. وقال ابن جرير { مَا نَنسَخْ } ما ننقل من حكم آية إلى غيره، فنبدله، ونغيره، وذلك أن نحوّل الحلال حراماً، والحرام حلالاً، والمباح محظوراً، والمحظور مباحاً، ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي، والحظر والإطلاق والمنع، والإباحة، فأما الأخبار، فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ، وأصل النسخ من نسخ الكتاب، وهو نقله من نسخة أخرى، فكذلك معنى نسخ الحكم إلى غيره إنما هو تحويله إلى غيره وسواء نسخ حكمها، أو خطها، إذ هي في كلتي حالتيها منسوخة. انتهى. وقد جعل علماء الأصول مباحث النسخ من جملة مقاصد ذلك الفن، فلا نطول بذكره، بل نحيل من أراد الاستشفاء عليه. وقد اتفق أهل الإسلام على ثبوته سلفاً، وخلفاً، ولم يخالف في ذلك أحد إلا من لا يعتدَّ بخلافه ولا يؤبه لقوله. وقد اشتهر عن اليهود، أقمأهم الله إنكاره، وهم محجوجون بما في التوراة أن الله قال لنوح عليه السلام عند خروجه من السفينة إني قد جعلت كل دابة مأكلاً لك، ولذريتك، وأطلقت ذلك لكم كنبات العشب ما خلا الدم، فلا تأكلوه، ثم وقد حرّم الله ذلك على موسى عليه السلام وعلى بني اسرائيل كثيراً من الحيوان، وثبت في التوراة أن آدم كان يزوّج الأخ من الأخت، وقد حرّم الله ذلك على موسى عليه السلام، وعلى غيره.

السابقالتالي
2 3