الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ ٱنْظُرْنَا وَٱسْمَعُواْ وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَٱللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ }

قوله { رَاعِنَا } أي راقبنا، واحفظنا، وصيغة المفاعلة تدل على أن معنى { رَاعِنَا } ارعنا ونرعاك، واحفظنا ونحفظك، وارقبنا ونرقبك، ويجوز أن يكون من أرعنا سمعك، أي فرغه لكلامنا، وجه النهي عن ذلك أن هذا اللفظ كان بلسان اليهود سباً، قيل إنه في لغتهم بمعنى اسمع لا سمعت وقيل غير ذلك، فلما سمعوا المسلمين يقولون للنبيّ صلى الله عليه وسلم راعناطلباً منه أن يراعيهم من المراعاة، اغتنموا الفرصة، وكانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم كذلك مظهرين أنهم يريدون المعنى العربي، مبطنين أنهم يقصدون السبّ الذي هو معنى هذا اللفظ في لغتهم وفي ذلك دليل على أنه ينبغي تجنب الألفاظ المحتملة للسبّ، والنقص، وإن لم يقصد المتكلم بها ذلك المعنى المفيد للشتم سداً للذريعة ودفعاً للوسيلة، وقطعاً لمادة المفسدة، والتطرق إليه، ثم أمرهم الله بأن يخاطبوا النبيّ صلى الله عليه وسلم بما لا يحتمل النقص، ولا يصلح للتعريض، فقال { وَقُولُواْ ٱنظُرْنَا } أي أقبل علينا، وانظر إلينا، فهو، من باب الحذف، والايصال، كما قال الشاعر
ظَاهِراتُ الْجَمَال والحَسُنِ يَنْظُر نَ كَمَا يَنْظُر الأرَاكَ الظِّباءُ   
أي إلى الأراك. وقيل معناه انتظرنا وتأنّ بنا، ومنه قول الشاعر
فإنكما إن تنظراني ساعةً من الدهر تنفعني لَدَى أمِّ جُنْدبَ   
وقرأ الأعمش " ٱنظُرْنَا " بقطع الهمزة، وكسر الظاء، بمعنى أخرنا وأمهلنا، حتى نفهم عنك، ومنه قول الشاعر
أبا هندٍ فلا تعجل علينا وأنظرنا نخبرِّك اليقينا   
وقرأ الحسن " رٰعِنَا " بالتنوين، وقال الراعن من القول السخريِّ. منه. انتهى. وأمرهم بعد هذا النهي، والأمر بأمر آخر وهو قوله { وَٱسْمَعُواْ } أي اسمعوا ما أمرتم به ونهيتم عنه، ومعناه أطيعوا الله في ترك خطاب النبي صلى الله عليه وسلم بذلك اللفظ، وخاطبوه ما أمرتم به، ويحتمل أن يكون معناه اسمعوا ما يخاطبكم به الرسول من الشرع، حتى يحصل لكم المطلوب بدون طلب للمراعاة، ثم توعد اليهود بقوله { وَلِلكَـٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ويحتمل أن يكون وعيداً شاملاً لجنس الكفرة. قال ابن جرير والصواب من القول عندنا في ذلك أن الله نهى المؤمنين أن يقولوا لنبيه صلى الله عليه وسلم { رٰعِنَا } لأنها كلمة كرهها الله أن يقولوها لنبيه صلى الله عليه وسلم نظير الذي ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تقولوا للعنب الكرم، ولكن قولوا الحَبَلَة، ولا تقولوا عبدي، ولكن قولوا فتاي " وما أشبه ذلك. وقوله { مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } الآية، فيه بيان شدة عداوة الكفار للمسلمين حيث لا يودّون إنزال الخير عليهم من الله سبحانه.

السابقالتالي
2