الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَآ إِلاَّ ٱلْفَاسِقُونَ } * { أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَٰـقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ وٱتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

الضمير في قوله { إِلَيْكَ } للنبيّ صلى الله عليه وسلم أي أنزلنا إليك علامات واضحات دالة على نبوتك. وقوله { إِلاَّ ٱلْفَـٰسِقُونَ } قد تقدّم تفسيره، والظاهر أن المراد جنس الفاسقين، ويحتمل أن يراد اليهود لأن الكلام معهم، والواو في قوله { أَوْ كُلَّمَا } للعطف دخلت عليها همزة الاستفهام كما تدخل على الفاء، ومن ذلك قوله تعالىأَفَحُكْمَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ يَبْغُونَ } المائدة 50أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ } الزخرف 40أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرّيَّتَهُ } الكهف 50 وكما تدخل على ثم، ومن ذلك قوله تعالىأَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ } يونس 51 وهذا قول سيبويه. وقال الأخفش الواو زائدة. وقال الكسائي إنها " أو " حركت الواو تسهيلاً. قال ابن عطية وهذا كله متكلف، والصحيح قول سيبويه، والمعطوف عليه محذوف، والتقدير أكفروا بالآيات البينات، وكلما عاهدوا. قوله { نَبَذَ فَرِيقٌ } قال ابن جرير أصل النبذ الطرح، والإلقاء، ومنه سمى اللقيط منبوذاً، ومنه سمي النبيذ، وهو التمر، والزبيب إذا طرحا في الماء، قال أبو الأسود
نظرتَ إلى عنوانه فنبذته كنبذك نعلاً أخلقت من نعالكا   
وقال آخر
إن الَّذين أمَرْتَهم أن يَعْدِلُوا نبذوا كتابك واستحل المحرمَا   
وقوله { وَرَاء ظُهُورِهِمْ } أي خلف ظهورهم، وهو مثل يُضرب لمن يستخف بالشيء، فلا يعمل به، تقول العرب اجعل هذا خلف ظهرك، ودبر أذنك، وتحت قدمك أي اتركه، واعرض عنه، ومنه ما أنشده الفراء
تميم بنُ زيدٍ لا تكوننَّ حَاجَتِي بظَهرٍ فلا يَعْيَا عليّ جوابُها   
وقوله { كِتَـٰبَ ٱللَّهِ } أي التوراة لأنهم لما كفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبما أنزل عليه بعد أن أخذ الله عليهم في التوراة الإيمان به، وتصديقه، واتباعه، وبين لهم صفته، كان ذلك منهم نبذاً للتوراة، ونقضاً لها، ورفضاً لما فيها، ويجوز أن يراد بالكتاب هنا القرآن، أي لما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم من التوراة نبذوا كتاب الله الذي جاء به هذا الرسول، وهذا أظهر من الوجه الأول. وقوله { كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } تشبيه لهم بمن لا يعلم شيئاً، مع كونهم يعلمون علماً يقيناً من التوراة بما يجب عليهم من الإيمان بهذا النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنهم لما لم يعملوا بالعلم بل عملوا عمل من لا يعلم من نبذ كتاب الله وراء ظهورهم، كانوا بمنزلة من لا يعلم. قوله { وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُو ٱلشَّيَـٰطِينُ } معطوف على قوله { نبذوا } أي نبذوا كتاب الله، واتبعوا ما تتلوا الشياطين من السحر ونحوه. قال الطبري اتبعوا بمعنى فعلوا. ومعنى { تتلو } تتقوّله، وتقرؤه و { عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ } على عهد ملك سليمان، قاله الزجاج، وقيل المعنى في ملك سليمان يعني في قصصه، وصفاته، وأخباره.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8