حكى سبحانه ما كان عليه هؤلاء الكفار الذين تمنوا ما لا يستحقونه، وتألوا على الله سبحانه من اتخاذهم الآلهة من دون الله لأجل يتعززون بذلك. قال الهروّي معنى { لّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً } ليكونوا لهم أعواناً. قال الفراء معناه ليكونوا لهم شفعاء في الآخرة. وقيل معناه ليتعززوا بهم من عذاب الله ويمتنعوا بها. { كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَـٰدَتِهِمْ } أي ليس الأمر كما ظنوا وتوهموا، والضمير في الفعل إما للآلهة أي ستجحد هذه الأصنام عبادة الكفار لها يوم ينطقها الله سبحانه، لأنها عند أن عبدوها جمادات لا تعقل ذلك، وإما للمشركين، أي سيجحد المشركون أنهم عبدوا الأصنام، ويدل على الوجه الأوّل قوله تعالى{ مَا كَانُواْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ } القصص 63 وقوله{ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَـٰذِبُونَ } النحل 86 ويدلّ على الوجه الثاني قوله تعالى{ وَٱللَّهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } الأنعام 23 وقرأ ابن أبي نهيك " كلا " بالتنوين، وروي عنه مع ذلك ضمّ الكاف وفتحها، فعلى الضم هي بمعنى جميعاً، وانتصابها بفعل مضمر، كأنه قال سيكفرون كلا سيكفرون بعبادهم، وعلى الفتح يكون مصدراً لفعل محذوف تقديره كل هذا الرأي كلا، وقراءة الجمهور هي الصواب، وهي حرف ردع وزجر { وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } أي تكون هذه الآلهة التي ظنوها عزّاً لهم ضدّاً عليهم، أي ضدّاً للعزّ وضدّ العزّ الذلّ، هذا على الوجه الأوّل، وأما على الوجه الثاني فيكون المشركون للآلهة ضدّاً وأعداء يكفرون بها بعد أن كانوا يحبونها ويؤمنون بها. { أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَـٰطِينَ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ } ذكر الزجاج في معنى هذا وجهين أحدهما أن معناه خلينا بين الكافرين وبين الشياطين فلم نعصمهم منهم ولم نعذهم، بخلاف المؤمنين الذين قيل فيهم{ إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ } الإسراء 65. الوجه الثاني أنهم أرسلوا عليهم وقيضوا لهم بكفرهم قال{ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً } الزخرف 36 فمعنى الإرسال ها هنا التسليط ومن ذلك قوله سبحانه لإبليس{ وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ } الإسراء 64 ويؤيد الوجه الثاني تمام الآية، وهو { تَؤُزُّهُمْ أَزّاً } فإن الأزّ والهزّ والاستفزاز معناها التحريك والتهييج والإزعاج، فأخبر الله سبحانه أن الشياطين تحرّك الكافرين وتهيجهم وتغويهم، وذلك هو التسليط لها عليهم، وقيل معنى الأزّ الاستعجال، وهو مقارب لما ذكرنا لأن الاستعجال تحريك وتهييج واستفزاز وإزعاج، وسياق هذه الآية لتعجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم من حالهم، وللتنبيه له على أن جميع ذلك بإضلال الشياطين وإغوائهم، وجملة { تؤزهم أزّاً } في محل نصب على الحال، أو مستأنفة على تقدير سؤال يدل عليه المقام، كأنه قيل ماذا تفعل الشياطين بهم؟ { فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ } بأن تطلب من الله إهلاكهم بسبب تصميمهم على الكفر، وعنادهم للحق، وتمرّدهم عن داعي الله سبحانه.