الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } * { رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَٱعْبُدْهُ وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } * { وَيَقُولُ ٱلإِنسَانُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً } * { أَوَلاَ يَذْكُرُ ٱلإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً } * { فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَٱلشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً } * { ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً } * { ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِٱلَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيّاً } * { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً } * { ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً }

قوله { وَمَا نَتَنَزَّلُ } أي قال الله سبحانه قل يا جبريل. وما نتنزل، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استبطأ نزول جبريل عليه، فأمر جبريل أن يخبره بأن الملائكة ما تتنزل عليه إلا بأمر الله. قيل احتبس جبريل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً وقيل خمسة عشر وقيل اثني عشر وقيل ثلاثة أيام وقيل إن هذا حكاية عن أهل الجنة، وأنهم يقولون عند دخولها وما نتنزل هذه الجنان { إِلاَّ بِأَمْرِ رَبّكَ } والأوّل أولى بدلالة ما قبله، ومعناه يحتمل وجهين الأوّل وما نتنزّل عليك إلا بأمر ربك لنا بالتنزل. والثاني وما نتنزّل عليك إلا بأمر ربك الذي يأمرك به بما شرعه لك ولأمتك، والتنزل النزول على مهل، وقد يطلق على مطلق النزول. ثم أكد جبريل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال { لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ } أي من الجهات والأماكن، أو من الأزمنة الماضية والمستقبلة، وما بينهما من الزمان أو المكان الذي نحن فيه، فلا نقدر على أن ننتقل من جهة إلى جهة، أو من زمان إلى زمان إلا بأمر ربك ومشيئته، وقيل المعنى له ما سلف من أمر الدنيا وما يستقبل من أمر الآخرة وما بين ذلك، وهو ما بين النفختين وقيل الأرض التي بين أيدينا إذا نزلنا، والسماء التي وراءنا وما بين السماء والأرض وقيل ما مضى من أعمارنا وما غبر منها والحالة التي نحن فيها. وعلى هذه الأقوال كلها يكون المعنى أن الله سبحانه هو المحيط بكل شيء لا يخفى عليه خافية، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرّة، فلا نقدم على أمر إلا بإذنه، وقال { وما بين ذلك } ولم يقل وما بين ذينك، لأن المراد وما بين ما ذكرنا كما في قوله سبحانهعَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ } البقرة 68. { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } أي لم ينسك وإن تأخر عنك الوحي، وقيل المعنى إنه عالم بجميع الأشياء لا ينسى منها شيئاً وقيل المعنى وما كان ربك ينسى الإرسال إليك عند الوقت الذي يرسل فيه رسله. { رَبّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا } أي خالقهما وخالق ما بينهما، ومالكهما ومالك ما بينهما، ومن كان هكذا فالنسيان محال عليه. ثم أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بعبادته والصبر عليها فقال { فَٱعْبُدْهُ وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ } والفاء للسببية لأن كونه ربّ العالمين سبب موجب لأن يعيد، وعدى فعل الصبر باللام دون على التي يتعدّى بها لتضمنه معنى الثبات { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } الاستفهام للإنكار. والمعنى أنه ليس له مثل ولا نظير حتى يشاركه في العبادة، فيلزم من ذلك أن تكون غير خالصة له سبحانه، فلما انتفى المشارك استحق الله سبحانه أن يفرد بالعبادة وتخلص له، هذا مبنيّ على أن المراد بالسميّ هو الشريك في المسمى وقيل المراد به الشريك في الاسم كما هو الظاهر من لغة العرب، فقيل المعنى إنه لم يسمّ شيء من الأصنام ولا غيرها بالله قط، يعني بعد دخول الألف واللام التي عوّضت عن الهمزة ولزمت.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7