الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰيَحْيَىٰ خُذِ ٱلْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } * { وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً } * { وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً } * { وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً }

قوله { يا يَحْيَىٰ } ها هنا حذف، وتقديره وقال الله للمولود يا يحيـى، أو فولد له مولود فبلغ المبلغ الذي يجوز أن يخاطب فيه، فقلنا له يا يحيـى. وقال الزجاج المعنى فوهبنا له وقلنا له يا يحيـى. والمراد بالكتاب التوراة لأنه المعهود حينئذٍ، ويحتمل أن يكون كتاباً مختصاً به وإن كنا لا نعرفه الآن، والمراد بالأخذ إما الأخذ الحسي أو الأخذ من حيث المعنى، وهو القيام بما فيه كما ينبغي، وذلك بتحصيل ملكة تقتضي سهولة الإقدام على المأمور به، والإحجام عن المنهيّ عنه، ثم أكده بقوله { بقُوَّةَ } أي بجدّ وعزيمة واجتهاد { وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } المراد بالحكم الحكمة، وهي الفهم للكتاب الذي أمر بأخذه وفهم الأحكام الدينية. وقيل هي العلم وحفظه والعمل به وقيل النبوّة وقيل العقل، ولا مانع من أن يكون الحكم صالحاً لحمله على جميع ما ذكر. قيل كان يحيـى عند هذا الخطاب له ابن سنتين، وقيل ابن ثلاث. { وَحَنَانًا مّن لَّدُنَّا } معطوف على الحكم. قال جمهور المفسرين الحنان الرحمة والشفقة والعطف والمحبة، وأصله توقان النفس، مأخوذ من حنين الناقة على ولدها. قال أبو عبيدة تقول حنانك يا ربّ، وحنانيك يا ربّ، بمعنى واحد، يريد رحمتك، قال طرفة
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا حنانيك بعض الشرّ أهون من بعض   
وقال امرؤ القيس
ويمنحها بنو سلخ بن بكر معيزهم حنانك ذا الحنان   
قال ابن الأعرابي الحنان مشدّداً من صفات الله عزّ وجلّ، والحنان مخففاً العطف والرحمة. والحنان الرزق والبركة. قال ابن عطية والحنان في كلام العرب أيضاً ما عظم من الأمور في ذات الله، ومنه قول زيد بن عمرو بن نفيل والله لئن قتلتم هذا العبد لأتخذن قبره حناناً، يعني بلالاً، لما مرَّ به وهو يعذب. وقيل إن القائل لذلك هو ورقة بن نوفل. قال الأزهري معنى ذلك لأترحمنّ عليه، ولأتعطفنّ عليه لأنه من أهل الجنة، ومثله قول الحطيئة
تحنن عليّ هداك المليك فإن لكل مقام مقالا   
ومعنى { مّن لَّدُنَّـا } من جنابنا. قيل ويجوز أن يكون المعنى أعطيناه رحمة من لدنا كائنة في قلبه يتحنن بها على الناس، ومنهم أبواه وقرابته حتى يخلصهم من الكفر { وَزَكَوٰةً } معطوف على ما قبله، والزكاة التطهير والبركة والتنمية والبرّ، أي جعلناه مباركاً للناس يهديهم إلى الخير وقيل زكيناه بحسن الثناء عليه كتزكية الشهود وقيل صدقة تصدقنا به على أبويه قاله ابن قتيبة { وَكَانَ تَقِيّا } أي متجنباً لمعاصي الله مطيعاً له. وقد روي أنه لم يعمل معصية قط. { وَبَرّا بِوٰلِدَيْهِ } معطوف على { تقياً } ، البرّ هنا بمعنى البارّ، فعل بمعنى فاعل، والمعنى لطيفاً بهما محسناً إليهما { وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً } أي لم يكن متكبراً ولا عاصياً لوالديه أو لربه، وهذا وصف له عليه السلام بلين الجانب وخفض الجناح { وَسَلَـٰمٌ عَلَيْهِ } قال ابن جرير وغيره معناه أمان عليه من الله.

السابقالتالي
2