الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا } * { قَيِّماً لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً } * { مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً } * { وَيُنْذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } * { مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً } * { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } * { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً } * { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً }

علّم عباده كيف يحمدونه على إفاضة نعمه عليهم، ووصفه بالموصول يشعر بعليّة ما في حيز الصلة لما قبله ووجه كون إنزال الكتاب، وهو القرآن نعمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كونه اطلع بواسطته على أسرار التوحيد، وأحوال الملائكة والأنبياء، وعلى كيفية الأحكام الشرعية التي تعبده الله وتعبد أمته بها، وكذلك العباد كان إنزال الكتاب على نبيهم نعمة لهم لمثل ما ذكرناه في النبيّ { وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا } أي شيئاً من العوج بنوع من أنواع الاختلال في اللفظ والمعنى، والعوج بالكسر في المعاني، وبالفتح في الأعيان كذا قيل، ويرد عليه قوله سبحانهلاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً } طه 107، يعني الجبال، وهي من الأعيان. قال الزجاج المعنى في الآية لم يجعل فيها اختلافاً كما قالوَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلَـٰفاً كَثِيراً } النساء 82. والقيم المستقيم الذي لا ميل فيه، أو القيم بمصالح العباد الدينية والدنيوية، أو القيم على ما قبله من الكتب السماوية مهيمناً عليها، وعلى الأوّل يكون تأكيداً لما دل عليه نفي العوج، فربّ مستقيم في الظاهر لا يخلو عن أدنى عوج في الحقيقة، وانتصاب { قيماً } بمضمر، أي جعله قيماً، ومنع صاحب الكشاف أن يكون حالاً من الكتاب، لأن قوله { ولم يجعل } معطوف على { أنزل } فهو داخل في حيز الصلة، فجاعله حالاً من الكتاب فاصل بين الحال وذي الحال ببعض الصلة. وقال الأصفهاني هما حالان متواليان إلا أن الأوّل جملة والثاني مفرد، وهذا صواب لأن قوله { وَلَمْ يَجْعَل } لم يكن معطوفاً على ما قبله بل الواو للحال، فلا فصل بين الحال وذي الحال ببعض الصلة، وقيل إن { قيماً } حال من ضمير { لم يجعل له }. وقيل في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير أنزل على عبده الكتاب قيماً ولم يجعل له عوجاً، ثم أراد سبحانه أن يفصل ما أجمله في قوله قيماً فقال { لِّيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا } وحذف المنذر للعلم به مع قصد التعميم، والمعنى لينذر الكافرين، والبأس العذاب، ومعنى { مِن لَّدُنْهُ } صادراً من لدنه نازلاً من عنده. روى أبو بكر، عن عاصم أنه " قرأ من لدنه " بإشمام الدال الضمة، وبكسر النون والهاء، وهي لغة الكلابيين. وروى أبو زيد عن جميع القراء فتح اللام وضم الدال وسكون النون { وَيُبَشّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } ، قرىء " يبشر " بالتشديد والتخفيف، وأجرى الموصول على موصوفه المذكور، لأن مدار قبول الأعمال هو الإيمان { أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا } وهو الجنة حال كونهم { مَّاكِثِينَ فِيهِ } أي في ذلك الأجر { أَبَدًا } أي مكثاً دائماً لا انقطاع له، وتقديم الإنذار على التبشير لإظهار كمال العناية بزجر الكفار.

السابقالتالي
2 3 4