الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً } * { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } * { قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً } * { فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً } * { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } * { قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَٰحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً } * { فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً } * { قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً } * { أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } * { وَأَمَّا ٱلْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً } * { فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً } * { وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً }

قوله { فَٱنطَلَقَا } أي موسى والخضر على ساحل البحر يطلبان السفينة، فمرّت بهم سفينة فكلموهم أن يحملوهم فحملوهم { حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِى ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَا } قيل قلع لوحاً من ألواحها، وقيل لوحين مما يلي الماء، وقيل خرق جدار السفينة ليعيبها ولا يتسارع الغرق إلى أهلها { قَالَ } موسى { أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا } أي لقد أتيت أمراً عظيماً، يقال أمر الأمر إذا كبر، والأمر الاسم منه. وقال أبو عبيدة الأمر الداهية العظيمة وأنشد
قد لقي الأقران مني نكرا داهية دهياً وأمراً إمرا   
وقال القتيبي الأمر العجب. وقال الأخفش أمر أمره يأمر إذا اشتد، والاسم الأمر. قرأ حمزة والكسائي " ليغرق أهلها " بالياء التحتية المفتوحة، ورفع " أهلها " على أنه فاعل، وقرأ الباقون بالفوقية المضمومة ونصب " أهلها " على المفعولية { قَالَ } أي الخضر { أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْراً } أذكره ما تقدم من قوله له سابقاً { إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْراً } الكهف 67 فـ { قَالَ } له موسى { لاَ تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ } يحتمل أن تكون " ما " مصدرية، أي لا تؤاخذني بنسياني أو موصولة، أي لا تؤاخذني بالذي نسيته، وهو قول الخضر { فَلاَ تَسْأَلْنى عَن شَىء حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً } فالنسيان إما على حقيقته على تقدير أن موسى نسي ذلك، أو بمعنى الترك على تقدير أنه لم ينس ما قاله له، ولكنه ترك العمل به { وَلاَ تُرْهِقْنِى مِنْ أَمْرِى عُسْراً } قال أبو زيد أرهقته عسراً إذا كلفته ذلك، والمعنى عاملني باليسر لا بالعسر. وقرىء " عسراً " بضمتين. { فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ } أي الخضر، ولفظ الغلام يتناول الشاب البالغ كما يتناول الصغير، قيل كان الغلام يلعب مع الصبيان فاقتلع الخضر رأسه { قَالَ } موسى { أَقَتَلْتَ نَفْسًا زكية بِغَيْرِ نَفْسٍ } قرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وأبو جعفر، وأويس بألف بعد الزاي وتخفيف الياء اسم فاعل. وقرأ الباقون بتشديد الياء من دون ألف، الزاكية البريئة من الذنوب. قال أبو عمرو الزاكية التي لم تذنب، والزكية التي أذنبت ثم تابت. وقال الكسائي الزاكية والزكية لغتان. وقال الفراء الزاكية والزكية مثل القاسية والقسية، ومعنى { بِغَيْرِ نَفْسٍ } بغير قتل نفس محرّمة حتى يكون قتل هذه قصاصاً { لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً } أي فظيعاً منكراً لا يعرف في الشرع. قيل معناه أنكر من الأمر الأوّل لكون القتل لا يمكن تداركه، بخلاف نزع اللوح من السفينة فإنه يمكن تداركه بإرجاعه، وقيل النكر أقلّ من الإمر، لأن قتل نفس واحدة أهون من إغراق أهل السفينة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7