الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَٰهُ لاۤ أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } * { فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ سَرَباً } * { فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَٰهُ آتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً } * { قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَٰنُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ عَجَباً } * { قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصاً } * { فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } * { قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً } * { قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } * { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً } * { قَالَ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِراً وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } * { قَالَ فَإِنِ ٱتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً }

الظرف في قوله { وَإِذْ قَالَ } متعلق بفعل محذوف هو أذكر. قيل ووجه ذكر هذه القصة في هذه السورة أن اليهود لما سألوا النبيّ عن قصة أصحاب الكهف وقالوا إن أخبركم فهو نبيّ وإلا فلا. ذكر الله قصة موسى والخضر تنبيهاً على أن النبيّ لا يلزمه أن يكون عالماً بجميع القصص والأخبار. وقد اتفق أهل العلم على أن موسى المذكور هو موسى بن عمران النبيّ المرسل إلى فرعون، وقالت فرقة لا التفات إلى ما تقوله منهم نوف البكالي إنه ليس ابن عمران، وإنما هو موسى بن ميشى بن يوسف بن يعقوب، وكان نبياً قبل موسى بن عمران، وهذا باطل قد ردّه السلف الصالح من الصحابة ومن بعدهم كما في صحيح البخاري وغيره، والمراد بفتاه هنا هو يوشع بن نون. قال الواحدي أجمعوا على أنه يوشع بن نون، وقد مضى ذكره في المائدة، وفي آخر سورة يوسف، ومن قال إن موسى هو ابن ميشى قال إن هذا الفتى لم يكن هو يوشع بن نون. قال الفراء وإنما سمي فتى موسى لأنه كان ملازماً له يأخذ عنه العلم ويخدمه، ومعنى { لا أَبْرَحُ } لا أزال، ومنه قولهلَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَـٰكِفِينَ } طه 91. ومنه قول الشاعر
وأبرح ما أدام الله قومي بحمد الله منتطقاً مجيداً   
وبرح إذا كان بمعنى زال فهو من الأفعال الناقصة، وخبره هنا محذوف اعتماداً على دلالة ما بعده وهو { حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ } قال الزجاج لا أبرح بمعنى لا أزال، وقد حذف الخبر لدلالة حال السفر عليه، ولأن قوله { حَتَّىٰ أَبْلُغَ } غاية مضروبة، فلا بدّ لها من ذي غاية، فالمعنى لا أزال أسير إلى أن أبلغ، ويجوز أن يراد لا يبرح مسيري حتى أبلغ، وقيل معنى { لا أبرح } لا أفارقك حتى أبلغ مجمع البحرين، وقيل يجوز أن يكون من برح التام، بمعنى زال يزال، ومجمع البحرين ملتقاهما. قيل المراد بالبحرين بحر فارس والروم وقيل بحر الأردن وبحر القلزم، وقيل مجمع البحرين عند طنجة، وقيل بإفريقية. وقالت طائفة المراد بالبحرين موسى والخضر، وهو من الضعف بمكان. وقد حكي عن ابن عباس ولا يصح. { أَوْ أَمْضِىَ حُقُباً } أي أسير زماناً طويلاً. قال الجوهري الحقب بالضم ثمانون سنة. وقال النحاس الذي يعرفه أهل اللغة أن الحقب والحقبة زمان من الدهر مبهم غير محدود، كما أن رهطاً وقوماً منهم غير محدود، وجمعه أحقاب. وسبب هذه العزيمة على السير من موسى عليه السلام ما روي أنه سئل موسى من أعلم الناس؟ فقال أنا، فأوحى الله إليه إنّ أعلم منك عبد لي عند مجمع البحرين.

السابقالتالي
2 3 4 5 6