وقوله { وَيَوْمَ نُسَيّرُ ٱلْجِبَالَ } قرأ الحسن وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر " تسير " بمثناة فوقية مضمومة وفتح الياء التحتية على البناء للمفعول، ورفع الجبال على النيابة عن الفاعل. وقرأ ابن محيصن ومجاهد تسير بفتح التاء الفوقية والتخفيف على أن الجبال فاعل. وقرأ الباقون نسير بالنون على أن الفاعل هو الله سبحانه والجبال منصوبة على المفعولية، ويناسب القراءة الأولى قوله تعالى{ وَإِذَا ٱلْجِبَالُ سُيّرَتْ } التكوير 3، ويناسب القراءة الثانية قوله تعالى{ وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً } الطور 10، واختار القراءة الثالثة أبو عبيدة لأنها المناسبة لقوله { وَحَشَرْنَـٰهُمْ } قال بعض النحويين التقدير والباقيات الصالحات خير عند ربك يوم نسيّر الجبال، وقيل العامل في الظرف فعل محذوف، والتقدير واذكر يوم نسيّر الجبال، ومعنى تسيير الجبال إزالتها من أماكنها وتسييرها كما تسير السحاب، ومنه قوله تعالى{ وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } النمل 88، ثم تعود إلى الأرض بعد أن جعلها الله كما قال{ وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً * فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثّاً } الواقعة 5 ــ 6. والخطاب في قوله{ وَتَرَى ٱلأرْضَ بَارِزَةً } الكهف 47 لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لكل من يصلح للرؤية، ومعنى بروزها ظهورها وزوال ما يسترها من الجبال والشجر والبنيان. وقيل المعنى ببروزها بروز ما فيها من الكنوز والأموات كما قال سبحانه{ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ } الإنشقاق 4، وقال{ وَأَخْرَجَتِ ٱلأرْضُ أَثْقَالَهَا } الزلزلة 2. فيكون المعنى وترى الأرض بارزاً ما في جوفها { وَحَشَرْنَـٰهُمْ } أي الخلائق، ومعنى الحشر الجمع أي جمعناهم إلى الموقف من كل مكان { فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً } فلم نترك منهم أحداً، يقال غادره وأغدره إذا تركه، قال عنترة
غادرته متعفراً أوصاله والقوم بين مجرّح ومجندل
أي تركته، ومنه الغدر، لأن الغادر ترك الوفاء للمغدور، قالوا وإنما سمي الغدير غديراً، لأن الماء ذهب وتركه، ومنه غدائر المرأة لأنها تجعلها خلفها { وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبّكَ صَفَّا } انتصاب { صفاً } على الحال أي مصفوفين كل أمة وزمرة صف، وقيل عرضوا صفاً واحداً كما في قوله{ ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً } طه 64 أي جميعاً، وقيل قياماً. وفي الآية تشبيه حالهم بحال الجيش الذي يعرض على السلطان { لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَـٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } هو على إضمار القول، أي قلنا لهم لقد جئتمونا، والكاف في { كما خلقناكم } نعت مصدر محذوف، أي مجيئاً كائناً كمجيئكم عند أن خلقناكم أوّل مرّة، أو كائنين كما خلقناكم أوّل مرّة، أي حفاة عراة غرلاً، كما ورد ذلك في الحديث. قال الزجاج أي بعثناكم وأعدناكم كما خلقناكم، لأن قوله { لقد جئتمونا } معناه بعثناكم { بَلْ زَعَمْتُمْ أن لَنْ نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِدًا } هذا إضراب وانتقال من كلام إلى كلام للتقريع والتوبيخ، وهو خطاب لمنكري البعث، أي زعمتم في الدنيا أن لن تبعثوا، وأن لن نجعل لكم موعداً نجازيكم بأعمالكم وننجز ما وعدناكم به من البعث والعذاب.