الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً } * { كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً } * { وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً } * { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَداً } * { وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً } * { قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً } * { لَّٰكِنَّاْ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً } * { وَلَوْلاۤ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً } * { فعسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً } * { أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً } * { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً } * { وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً } * { هُنَالِكَ ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّهِ ٱلْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً }

قوله { وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ } هذا المثل ضربه الله سبحانه لمن يتعزّز بالدنيا ويستنكف عن مجالسة الفقراء فهو على هذا متصل بقوله { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ }. وقد اختلف في الرجلين هل هما مقدّران أو محققان؟ فقال بالأوّل بعض المفسرين. وقال بالآخر بعض آخر. واختلفوا في تعيينهما، فقيل هما أخوان من بني إسرائيل، وقيل هما أخوان مخزوميان من أهل مكة أحدهما مؤمن، والآخر كافر، وقيل هما المذكوران في سورة الصافات في قولهقَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ إِنّى كَانَ لِى قَرِينٌ } الصافات 51. وانتصاب { مثلاً } و { رجلين } على أنهما مفعولا { اضرب } ، قيل والأوّل هو الثاني والثاني هو الأوّل { جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ } هو الكافر، و { مّنْ أَعْنَـٰبٍ } بيان لما في الجنتين أي من كروم متنوعة { وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ } الحفّ الإحاطة، ومنهحَافّينَ مِنْ حَوْلِ ٱلْعَرْشِ } الزمر 75 ويقال حف القوم بفلان يحفون حفاً أي أطافوا به، فمعنى الآية وجعلنا النخل مطيفاً بالجنتين من جميع جوانبهما { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا } أي بين الجنتين، وهو وسطهما، ليكون كل واحد منهما جامعاً للأقوات والفواكه. ثم أخبر سبحانه عن الجنتين بأن كل واحدة منهما كانت تؤدّي حملها وما فيها، فقال { كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا } أخبر عن { كلتا } بـ { آتت } ، لأن لفظه مفرد، فراعى جانب اللفظ. وقد ذهب البصريون إلى أن كلتا وكلا اسم مفرد غير مثنى. وقال الفراء هو مثنى. وهو مأخوذ من كل فخففت اللام وزيدت الألف للتثنية. وقال سيبويه ألف كلتا للتأنيث، والتاء بدل من لام الفعل، وهي واو، والأصل كلوا. وقال أبو عمرو التاء ملحقة، وأكلهما هو ثمرهما، وفيه دلالة على أنه قد صار صالحاً للأكل. وقرأ عبد الله بن مسعود كل الجنتين آتى أكله. { وَلَمْ تَظْلِمِ مّنْهُ شَيْئًا } أي لم تنقص من أكلها شيئاً، يقال ظلمه حقه، أي نقصه، ووصف الجنتين بهذه الصفة للإشعار بأنهما على خلاف ما يعتاد في سائر البساتين فإنها في الغالب تكثر في عام، وتقلّ في عام { وَفَجَّرْنَا خِلَـٰلَهُمَا نَهَراً } أي أجرينا وشققنا وسط الجنتين نهراً ليسقيهما دائماً من غير انقطاع، وقرىء { فجرنا } بالتشديد للمبالغة، وبالتخفيف على الأصل. { وَكَانَ لَهُ } أي لصاحب الجنتين { ثَمَرٌ } قرأ أبو جعفر وشيبة وعاصم ويعقوب وابن أبي إسحاق { ثمر } بفح الثاء والميم. وكذلك قرؤوا في قوله { أُحِيطَ بِثَمَرِهِ } وقرأ أبو عمرو بضم الثاء وإسكان الميم فيهما. وقرأ الباقون بضمهما جميعاً في الموضعين. قال الجوهري الثمرة واحدة الثمر، وجمع الثمر ثمار، مثل جبل وجبال. قال الفراء وجمع الثمار ثمر، مثل كتاب وكتب، وجمع الثمر أثمار، مثل عنق وأعناق، وقيل الثمر جميع المال من الذهب والفضة والحيوان وغير ذلك، وقيل هو الذهب والفضة خالصة { فَقَالَ لَصَـٰحِبِهِ } أي قال صاحب الجنتين الكافر لصاحبه المؤمن { وَهُوَ يُحَـٰوِرُهُ } أي والكافر يحاور المؤمن، والمعنى يراجعه الكلام ويجاوبه، والمحاورة المراجعة، والتحاور التجاوب { أَنَاْ أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً } النفر الرهط، وهو ما دون العشرة، وأراد ها هنا الأتباع والخدم والأولاد.

السابقالتالي
2 3 4 5 6