الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً } * { وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً } * { وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً } * { إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوۤاْ إِذاً أَبَداً }

قوله { وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت } شرع سبحانه في بيان حالهم، بعد ما أووا إلى الكهف. { تَّزَاوَرُ } قرأ أهل الكوفة بحذف تاء التفاعل، وقرأ ابن عامر تزور قال الأخفش لا يوضع الازورار في هذا المعنى، إنما يقال هو مزورّ عني، أي منقبض. وقرأ الباقون بتشديد الزاي وإدغام تاء التفاعل فيه بعد تسكينها، وتزاور مأخوذ من الزور بفتح الواو، وهو الميل، ومنه زاره إذا مال إليه، والزور الميل، فمعنى الآية أن الشمس إذا طلعت تميل وتتنحى { عَن كَهْفِهِمْ } قال الراجز الكلبي
جاب المندّا عن هوانا أزور   
أي مائل { ذَاتَ ٱلْيَمِينِ } أي ناحية اليمين، وهي الجهة المسماة باليمين، وانتصاب { ذات } على الظرف، { وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ } القرض القطع. قال الكسائي والأخفش والزجاج وأبو عبيدة تعدل عنهم وتتركهم، قرضت المكان عدلت عنه، تقول لصاحبك هل وردت مكان كذا؟ فيقول إنما قرضته إذا مرّ به وتجاوز عنه، والمعنى أن الشمس إذا طلعت مالت عن كهفهم ذات اليمين، أي يمين الكهف، وإذا غربت تمرّ { ذَاتَ ٱلشّمَالِ } أي شمال الكهف لا تصيبه. بل تعدل عن سمته إلى الجهتين، والفجوة المكان المتسع، وجملة { وَهُمْ فِى فَجْوَةٍ مّنْهُ } في محل نصب على الحال، وللمفسرين في تفسير هذه الجملة قولان الأوّل أنهم مع كونهم في مكان منفتح انفتاحاً واسعاً في ظلّ جميع نهارهم لا تصيبهم الشمس في طلوعها ولا في غروبها، لأن الله سبحانه حجبها عنهم. والثاني أن باب ذلك الكهف كان مفتوحاً إلى جانب الشمال، فإذا طلعت الشمس كانت عن يمين الكهف، وإذا غربت كانت عن يساره، ويؤيد القول الأوّل قوله { ذٰلِكَ مِنْ آيَـٰتِ ٱللَّهِ } فإن صرف الشمس عنهم مع توجه الفجوة إلى مكان تصل إليه عادة أنسب بمعنى كونها آية، ويؤيده أيضاً إطلاق الفجوة وعدم تقييدها بكونها إلى جهة كذا، ومما يدلّ على أن الفجوة المكان الواسع قول الشاعر
ألبست قومك مخزاة ومنقصة حتى أبيحوا وخلوا فجوة الدار   
ثم أثنى سبحانه عليهم بقوله { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ } أي إلى الحق { فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ } الذي ظفر بالهدى وأصاب الرشد والفلاح { وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّا مُّرْشِدًا } أي ناصراً يهديه إلى الحق كدقيانوس وأصحابه. ثم حكى سبحانه طرفاً آخر من غرائب أحوالهم فقال { وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا } جمع يقظ بكسر القاف وفتحها { وَهُمْ رُقُودٌ } أي نيام، وهو جمع راقد كقعود في قاعد. قيل وسبب هذا الحسبان أن عيونهم كانت مفتحة وهم نيام. وقال الزجاج لكثرة تقلبهم { وَنُقَلّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشّمَالِ } أي نقلبهم في رقدتهم إلى الجهتين لئلا تأكل الأرض أجسادهم { وَكَلْبُهُمْ بَـٰسِطٌ ذِرَاعَيْهِ } حكاية حال ماضية، لأن اسم الفاعل لا يعمل إذا كان بمعنى المضيّ كما تقرر في علم النحو.

السابقالتالي
2 3