الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً } * { إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً } * { فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً } * { ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً } * { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِٱلْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } * { وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً } * { هَـٰؤُلاۤءِ قَوْمُنَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } * { وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً }

قوله { أَمْ حَسِبْتَ } " أم " هي المنقطعة المقدّرة ببل والهمزة عند الجمهور، وببل وحدها عند بعضهم والتقدير بل أحسبت، أو بل حسبت، ومعناها الانتقال من حديث إلى حديث آخر، لا لإبطال الأول والإضراب عنه كما هو معنى بل في الأصل. والمعنى أن القوم لما تعجبوا من قصة أصحاب الكهف وسألوا عنها الرسول على سبيل الامتحان، قال سبحانه بل أظننت يا محمد أنهم كانوا عجباً من آياتنا فقط؟ لا تحسب ذلك فإن آياتنا كلها عجب، فإن من كان قادراً على جعل ما على الأرض زينة لها للابتلاء، ثم جعل ما عليها صعيداً جرزاً كأن لم تغن بالأمس، لا تستبعد قدرته وحفظه ورحمته بالنسبة إلى طائفة مخصوصة، وإن كانت قصتهم خارقة للعادة، فإن آيات الله سبحانه كذلك وفوق ذلك. و { عَجَبًا } منتصبة على أنه خبر كان أي ذات عجب، أو موصوفة بالعجب مبالغة، و { من آياتنا } في محل نصب على الحال، و { إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ } ظرف لحسبت أو لفعل مقدّر، وهو أذكر، أي صاروا إليه وجعلوه مأواهم، والفتية هم أصحاب الكهف، والكهف هو الغار الواسع في الجبل، فإن كان صغيراً سمي غاراً، والرقيم قال كعب والسدّي إنه اسم القرية التي خرج منها أصحاب الكهف. وقال سعيد بن جبير ومجاهد إنه لوح من حجارة أو رصاص رقمت فيه أسماؤهم جعل على باب الكهف. قال الفراء ويروى أنه إنما سمي رقيماً لأن أسماءهم كانت مرقومة فيه. والرقم الكتابة. وروي مثل ذلك عن ابن عباس. ومنه قول العجاج في أرجوزة له
ومستقرى المصحف الرقيم   
وقيل إن الرقيم اسم كلبهم، وقيل هو اسم الوادي الذي كانوا فيه، وقيل اسم الجبل الذي فيه الغار. قال الزجاج أعلم الله سبحانه أن قصة أصحاب الكهف ليست بعجيبة من آيات الله، لأن خلق السمٰوات والأرض وما بينهما أعجب من قصة أصحاب الكهف { فَقَالُواْ رَبَّنَا ءاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً } أي من عندك، و " من " ابتدائية متعلقة بـ { آياتنا } ، أو لمحذوف وقع حالاً، والتنوين في { رحمة } إما للتعظيم أو للتنويع، وتقديم { من لدنك } للاختصاص أي رحمة مختصة بأنها من خزائن رحمتك، وهي المغفرة في الآخرة والأمن من الأعداء، والرزق في الدنيا { وَهَيّىء لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا } أي أصلح لنا، من قولك هيأت الأمر فتهيأ، والمراد بأمرهم الأمر الذي هم عليه وهو مفارقتهم للكفار، والرشد نقيض الضلال، و " من " للابتداء. ويجوز أن تكون للتجريد كما في قولك رأيت منك رشداً. وتقدم المجرورين للاهتمام بهما. { فَضَرَبْنَا عَلَىٰ ءاذَانِهِمْ } قال المفسرون أنمناهم. والمعنى سددنا آذانهم بالنوم الغالب عن سماع الأصوات، والمفعول محذوف أي ضربنا على آذانهم الحجاب تشبيهاً للإنامة الثقيلة المانعة من وصول الأصوات إلى الآذان بضرب الحجاب عليها، و { فِى ٱلْكَهْفِ } ظرف لضربنا، وانتصاب { سِنِينَ } على الظرفية، و { عَدَدًا } صفة لسنين، أي ذوات عدد على أنه مصدر، أو بمعنى معدودة على أنه لمعنى المفعول، ويستفاد من وصف السنين بالعدد الكثرة.

السابقالتالي
2 3 4