الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً } * { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً } * { ٱلَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً } * { أَفَحَسِبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي مِن دُونِيۤ أَوْلِيَآءَ إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً } * { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً } * { ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَزْناً } * { ذَلِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ وَٱتَّخَذُوۤاْ آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْفِرْدَوْسِ نُزُلاً } * { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً }

قوله { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِى بَعْضٍ } هذا من كلام الله سبحانه بعد انقضاء كلام ذي القرنين، والضمير في { بعضهم } ليأجوج ومأجوج، أي تركنا بعض يأجوج ومأجوج يوم مجيء الوعد، أو يوم خروج يأجوج ومأجوج يموج في بعض آخر منهم، يقال ماج الناس إذا دخل بعضهم في بعض حيارى كموج الماء. والمعنى أنهم يضطربون ويختلطون، وقيل الضمير في { بعضهم } للخلق، واليوم يوم القيامة أي وجعلنا بعض الخلق من الجنّ والإنس يموج في بعض، وقيل المعنى وتركنا يأجوج ومأجوج يوم كمال السدّ وتمام عمارته بعضهم يموج في بعض، وقد تقدّم تفسير { وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ } في الأنعام، قيل هي النفخة الثانية بدليل قوله بعد { فَجَمَعْنَـٰهُمْ جَمْعاً } فإن الفاء تشعر بذلك، ولم يذكر النفخة الأولى لأن المقصود هنا ذكر أحوال القيامة. والمعنى جمعنا الخلائق بعد تلاشي أبدانهم ومصيرها تراباً جمعاً تاماً على أكمل صفة وأبدع هيئة وأعجب أسلوب. { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لّلْكَـٰفِرِينَ عَرْضاً } المراد بالعرض هنا الإظهار، أي أظهرنا لهم جهنم حتى شاهدوها يوم جمعنا لهم، وفي ذلك وعيد للكفار عظيم لما يحصل معهم عند مشاهدتها من الفزع والروعة، ثم وصف الكافرين المذكورين بقوله { ٱلَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِى غِطَاء عَن ذِكْرِى } أي كانت أعينهم في الدنيا في غطاء، وهو ما غطى الشيء وستره من جميع الجوانب { عن ذكري } عن سبب ذكري، وهو الآيات التي يشاهدها من له تفكر واعتبار، فيذكر الله بالتوحيد والتمجيد، فأطلق المسبب على السبب، أو عن القرآن العظيم، وتأمل معانيه وتدبر فوائده. ثم لما وصفهم سبحانه بالعمى عن الدلائل التكوينية أو التنزيلية أو مجموعهما، أراد أن يصفهم بالصمم عن استماع الحق فقال { وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً } أي لا يقدرون على الاستماع لما فيه الحق من كلام الله وكلام رسوله، وهذا أبلغ مما لو قال وكانوا صماً، لأن الأصمّ قد يستطيع السمع إذا صيح به، وهؤلاء لا استطاعة لهم بالكلية، وفي ذكر غطاء الأعين وعدم استطاعة السماع تمثيل لتعاميهم عن المشاهدة بالأبصار وإعراضهم عن الأدلة السمعية. { أَفَحَسِبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } الحسبان هنا بمعنى الظنّ. والاستفهام للتقريع والتوبيخ، والفاء للعطف على مقدّر كنظائره. والمعنى أفظنوا أنهم ينتفعون بما عبدوه مع إعراضهم عن تدبر آيات الله وتمردّهم عن قبول الحق، ومعنى { أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِى مِن دُونِى } أي يتخذوهم من دون الله، وهم الملائكة والمسيح والشياطين { أَوْلِيَاء } أي معبودين، قال الزجاج المعنى أيحسبون أن ينفعهم ذلك؟ وقرىء أفحسب بسكون السين، ومعناه أكافيهم ومحسبهم أن يتخذوهم أولياء على أنه مبتدأ وخبر، يريد أن ذلك لا يكفيهم ولا ينفعهم عند الله كما حسبوا { إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَـٰفِرِينَ نُزُلاً } أي هيأناها لهم نزلاً يتمتعون به عند ورودهم.

السابقالتالي
2 3 4