الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً } * { إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً } * { قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنْسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً } * { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً } * { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } * { أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً } * { أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً } * { أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً }

لما بيّن سبحانه أنه ما آتاهم من العلم إلاّ قليلاً بيّن أنه لو شاء أن يأخذ منهم هذا القليل لفعل، فقال { وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِٱلَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } واللام هي الموطئة، و { لنذهبن } جواب القسم سادّ مسد جواب الشرط. قال الزجاج معناه لو شئنا لمحوناه من القلوب ومن الكتب حتى لا يوجد له أثر. انتهى. وعبر عن القرآن بالموصول تفخيماً لشأنه { ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ } أي بالقرآن { عَلَيْنَا وَكِيلاً } أي لا تجد من يتوكل علينا في ردّ شيء منه بعد أن ذهبنا به، والاستثناء بقوله { إِلاَّ رَحْمَةً مّن رَّبّكَ } إن كان متصلاً فمعناه إلاّ أن يرحمك ربك فلا نذهب به، وإن كان منقطعاً فمعناه لكن لا يشأ ذلك رحمة من ربك، أو لكن رحمة من ربك تركته غير مذهوب به { إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا } حيث جعلك رسولاً وأنزل عليك الكتاب وصيرك سيد ولد آدم، وأعطاك المقام المحمود وغير ذلك مما أنعم به عليه. ثم احتج سبحانه على المشركين بإعجاز القرآن فقال { قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانِ } المنزل من عند الله الموصوف بالصفات الجليلة من كمال البلاغة وحسن النظم وجزالة اللفظ { لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ } أظهر في مقام الإضمار، ولم يكتف بأن يقول لا يأتون به على أن الضمير راجع إلى المثل المذكور، لدفع توهم أن يكون له مثل معين، وللإشعار بأن المراد نفي المثل على أي صفة كان، وهو جواب قسم محذوف كما تدل عليه اللام الموطئة، وسادّ مسدّ جواب الشرط، ثم أوضح سبحانه عجزهم عن المعارضة سواء كان المتصدي لها كل واحد منهم على الانفراد، أو كان المتصدر بها المجموع بالمظاهرة فقال { وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } أي عوناً ونصيراً، وجواب لو محذوف، والتقدير ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً لا يأتون بمثله، فثبت أنهم لا يأتون بمثله على كل حال، وقد تقدّم وجه إعجاز القرآن في أوائل سورة البقرة. وفي هذه الآية ردّ لما قاله الكفارلَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَا } الأنفال 31، وإكذاب لهم. ثم بين سبحانه أن الكفار مع عجزهم عن المعارضة استمروا على كفرهم وعدم إيمانهم فقال { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِى هَـٰذَا ٱلْقُرْءانِ مِن كُلّ مَثَلٍ } أي رددنا القول فيه بكلّ مثل يوجب الاعتبار من الآيات والعبر والترغيب والترهيب والأوامر والنواهي وأقاصيص الأوّلين والجنة والنار والقيامة { فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا } يعني من أهل مكة، فإنهم جحدوا وأنكروا كون القرآن كلام الله بعد قيام الحجة عليهم، واقترحوا من الآيات ما ليس لهم، وأظهر في مقام الإضمار حيث قال { فأبى أكثر الناس } توكيداً أو توضيحاً، ولما كان { أبى } مؤولاً بالنفي، أي ما قبل، أو لم يرض، صح الاستثناء منه قوله { إِلاَّ كُفُورًا }.

السابقالتالي
2 3 4