الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } * { وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً } * { وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَٱجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } * { وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } * { وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً } * { وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ كَانَ يَئُوساً } * { قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلاً } * { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }

لما ذكر سبحانه الإلهيات والمعاد والجزاء أردفها بذكر أشرف الطاعات، وهي الصلاة، فقال { أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ }. وقد أجمع المفسرون على أن هذه الآية المراد بها الصلوات المفروضة. وقد اختلف العلماء في الدلوك المذكور في هذه الآية على قولين أحدهما أنه زوال الشمس عن كبد السماء، قاله عمر وابنه، وأبو هريرة، وأبو برزة، وابن عباس، والحسن، والشعبي، وعطاء، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، وأبو جعفر الباقر، واختاره ابن جرير. والقول الثاني أنه غروب الشمس، قاله علي، وابن مسعود، وأبيّ بن كعب، وروي عن ابن عباس. قال الفراء دلوك الشمس من لدن زوالها إلى غروبها. قال الأزهري معنى الدلوك في كلام العرب الزوال، ولذلك قيل للشمس إذا زالت نصف النهار دالكة، وقيل لها إذا أفلت دالكة، لأنها في الحالتين زائلة. قال والقول عندي أنه زوالها نصف النهار لتكون الآية جامعة للصلوات الخمس، والمعنى أقم الصلاة من وقت دلوك الشمس { إلى غسق الليل } فيدخل فيها الظهر والعصر وصلاتا غسق الليل، وهما العشاءان، ثم قال { وقرآن الفجر } هذه خمس صلوات. وقال أبو عبيد دلوكها غروبها، ودلكت براح يعني الشمس أي غابت، وأنشد قطرب على هذا قول الشاعر
هذا مقام قدمي رباح ذبَّب حتى دلكت براح   
اسم من أسماء الشمس على وزن حذام وقطام، ومن ذلك قول ذي الرمة
مصابيح ليست باللواتي تقودها نجوم، ولا بالآفلات الدوالك   
أي الغوارب، وغسق الليل اجتماع الظلمة. قال الفراء والزجاج يقال غسق الليل وأغسق إذا أقبل بظلامه، قال أبو عبيد الغسق سواد الليل. قال قيس بن الرقيات
إن هذا الليل قد غسقا واشتكيت الهمّ والأرقا   
وقيل غسق الليل مغيب الشفق، ومنه قول زهير
طلت تجود يداها وهي لاهية حتى إذا جنح الإظلام والغسق   
وأصل الكلمة من السيلان يقال غسقت إذا سالت. وحكى الفراء غسق الليل وأغسق، وظلم وأظلم، ودجى وأدجى، وغبش وأغبش، وقد استدل بهذه الغاية، أعني قوله { إلى غسق الليل } من قال إن صلاة الظهر يتمادى وقتها من الزوال إلى الغروب، روي ذلك عن الأوزاعي، وأبي حنيفة وجوّزه مالك والشافعي في حال الضرورة، وقد وردت الأحاديث الصحيحة المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعيين أوقات الصلوات، فيجب حمل مجمل هذه الآية على ما بينته السنة فلا نطيل بذكر ذلك. قوله { وقرآن الفجر } انتصاب { قرآن } لكونه معطوفاً على { الصلاة } أي وأقم قرآن الفجر، قاله الفراء. وقال الزجاج والبصريون انتصابه على الإغراء أي فعليك قرآن الفجر. قال المفسرون المراد بقرآن الفجر صلاة الصبح. قال الزجاج وفي هذه فائدة عظيمة تدل على أن الصلاة لا تكون إلا بقراءة حتى سميت الصلاة قرآناً، وقد دلت الأحاديث الصحيحة على أنه " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " ، وفي بعض الأحاديث الخارجة من مخرج حسن " وقرآن معها " ، وورد ما يدل على وجوب الفاتحة في كل ركعة، وقد حررته في مؤلفاتي تحريراً مجوّداً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9